مشروع قانون الجرائم الإلكترونية بين: حرية التعبير واحترام الحق في الخصوصية
جفرا نيوز - كتب - نوفان العجارمة
الجدل الكبير الدائر حالياً بشأن مشروع قانون الجرائم الالكترونية هو أمر إيجابي ودليل على وعي وثقافة المواطن الأردني بشأن ما ورد في هذا المشروع من احكام، ولا شك، ان وجود وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت بشكل كبير بنشر الآراء المختلفة بشأنه، وقبل الحديث عن نقطة الاشتباك الرئيسية الواردة في هذا المشروع لابد من إيضاح الأمور التالية:
اولاً: من حيث الإطار العام لمشروع القانون:
1. تجريم الأفعال التي ترتكب بوسائل تقنية او الكترونية ليس امراً مستحدثاً بالأردن: فقد سبق للمشرع وان تناول ذلك في قانون جرائم أنظمة المعلومات المؤقت رقم (30) لسنة 2010 والذي أصبح قانوناً دائما بموجب قانون الجرائم الالكترونية النافذ حالياً رقم (27) لسنة 2015، وهذا القانون جاء تنفيذاً للاتفاقية العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات لسنة 2012، والتي تهدف تعاون الدول العربية لمكافحة جرائم تقنية المعلومات التي تهدد أمنها ومصالحها وسلامة مجتمعاتها، إضافة الى تبني سياسة جنائية مشتركة تهدف إلى حماية المجتمع العربي ضد جرائم تقنية المعلومات.
2. ان مشروع قانون الجرائم الالكترونية لسنة 2023 لم يجرم أي فعل مباح: فكافة الجرائم التي وردت في مشروع القانون هي بالأصل مجرمة في قانون العقوبات وغيره من التشريعات، ولم تكن هذه الأفعال مباحة في الأصل .
3. تناول المشروع العديد من الجرائم التي تمس أمن المجتمع وبعض الجرائم العابرة للحدود: في ظل تنامي المد التكنولوجي لم يعد هناك مجال للحديث عن الصلاحية الإقليمية لقانون العقوبات، فالكثير من الأفعال والجرائم ترتكب بوسائل عن بعد وتنفذ الأفعال الجريمة داخل المملكة، لذلك جرم المشروع كافة اشكال وصور جرائم الاحتيال والابتزاز والأنشطة الإباحية وأعمال القرصنة الإلكترونية واعتراض البيانات والمعلومات والتسول الالكتروني وإنشاء الحسابات الوهمية وغيرها من الجرائم التي تمس أمن وسلامة المجتمع.
ثانياً: من حيث مشروع القانون وحرية التعبير: لقد وجد البعض ان ما ورد بالمادة (15) من مشروع القانون - والتي تقابل حالياً المادة (11) من القانون الحالي- مخالف للدستور كونها تشكل قيدا على حرية التعبير.
ورداً على ذلك، نجد بأن جرائم الذم والقدح والتحقير هي جرائم واردة في قانون العقوبات ولا يمكن ان تندرج تحت حرية التعبير باي حال من الأحوال، وان ما ورد في مشروع القانون لا يخالف (15) من الدستور وللأسباب التالية:
1. ان حرية التعبير ضرورة لكل مجتمع وتحتل منزلة مهمة في النظام الديمقراطي، فلا قيام للديمقراطية بدون حرية التعبير، فالصحافة رئة الشعوب تتنفس من خلالها، وتعبر عن فرحها وآلامها، فمن خلال صفحاتها نغضب ونسعد ونعلن عن رضانا أو رفضنا من خلال تحقيق أو مقالة أو دراسة، وتسخر الشعوب من حكوماتها وإدارتها من خلال الكلمة الساخرة، والكاريكاتير الساخر، فالإنسان لا يستطيع أن يعيش بلا أكسجين متوفر من حوله ، كذلك الصحافة لا تستطيع أن تعيش بدون حرية التعبير وتحرير إرادة الكلمة فالصحافة ضرورة لا غنى عنها لأي مجتمع ديمقراطي يسعى للتقدم والرخاء والاستقرار، ويهدف ويرنو إلى احتلال مكانة سامية بين دول العالم المتحضر.
2. وبالرغم من هذا الدور العظيم والمهم لحرية التعبير في أي نظام ديمقراطي – في العالم – إلا أن هذا لا يعني أنها حرية مطلقة بلا حدود: فالأصل المستقر في الأنظمة الديمقراطية أنه لا يمكن أن تكون الحرية مطلقة بلا قيد، وإلا انقلبت فوضى وحملت في طياتها البغي والعدوان على كيان الدولة وحريات الآخرين، وقد تؤدي إلى العديد من الأضرار والاضطرابات التي تهدد كيان الدولة وبقاءها، كما تهدد الأفراد أيضا في حرياتهم وحقوقهم، لذلك كان لا بد من تنظيمها ووضع ضوابط تكفل ممارستها حفاظاً عليها وعلى المجتمع وأفراده في آن واحد.
3. وانطلاقا من هذا الفهم، فقد وضعت المادة (15) من الدستور الأردني حداً وسقفاً لحرية التعبير وهو القانون حيث تنص على: (تكفل الدولة حرية الرأي ولكل أردني أن يعبر عن رأيه بحرية القول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط ألا يتجاوز حدود القانون) فالقانون هو الذي حدد الإطار الموضوعي لهذه الحرية. كما تنص المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على: ((1. لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.2. إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.3. يستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية: (أ) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، (ب) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة)) أي ان هناك ثمة قيود تمليها المصلحة العامة على حرية التعبير سواء تعلقت هذه القيوم بحقوق الآخرين أو سمعتهم او حماية للأمن القومي أو النظام العام في الدولة.
4. لقد كفل الدستور "حرية التعبير عن الرأي " بمدلوله الذي جاء عاماً مطلقاً ليشمل الرأي في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولكن حرية التعبير عن الرأي لا يقتصر أثرها على صاحب الرأي وحده، بل يتعداه إلى غيره وإلى المجتمع، ومن ثم لم يطلق الدستور هذه الحرية، وإنما أباح للمشرع تنظيمها بوضع القواعد والضوابط التي تبين كيفية ممارسة الحرية بما يكفل صونها في إطارها المشروع (بشرط ان لا تتجاوز حدود القانون) إلى الإضرار بالغير أو بالمجتمع.
5. لا يمكن النظر لحرية التعبير بمعزل عن حماية الحق في الحياة الخاصة: لقد حرص الدستور في المادة (7) منه على حماية الحياة الخاصة للأفراد بالقول: ( كل اعتداء على الحقوق والحريات العامة أو حرمة الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون) والاعتداء على الحياة الخاصة جريمة ( ولا يمكن ان تعتبر صورة من صور التعبير أو حرية الراي) فثمة مناطق من الحياة الخاصة لكل فرد تمثل أغواراً لا يجوز النفاذ إليها، وينبغي دوماً - ولاعتبار مشروع - ألا يقتحمها أحد ضماناً لسريتها، وصوناً لحرمتها، ودفعاً لمحاولة التلصص عليها أو اختلاس بعض جوانبها، وبوجه خاص من خلال الوسائل التقنية الحديثة التي بلغ تطورها حداً مذهلاً، وكان لتنامى قدراتها على الاختراق أثراً بعيداً على الناس جميعهم حتى في أدق شؤونهم، وما يتصل بملامح حياتهم، بل وبياناتهم الشخصية التي غدا الاطلاع عليها وتجميعها نهباً وامراً مشاعاً .
ثالثاً: لقد ورد في المشروع عبارات تحتاج الى ضبط وتحديد: حيث وردت عبارة (اخبار كاذبة في المادة 15) و (أفعال من شأنها اغتيال الشخصية في المادة 16) والحض على الكراهية في المادة 17) فهذه نصوص تجريم والنصوص المتعلقة بالتجريم والعقاب يجب أن تكون محددة في قوالب جامعة مانعة والنصوص المقترحة فضفاضة ولا تنتمي لعائلة القانون الجنائي ولم ترد في قانون العقوبات؟؟ موضحاً بشأنها ما يلي:
1. اغتيال الشخصية: لقد تم تداول تعبير "اغتيال الشخصية منذ عام 1930 وهو في الأصل اصطلاح أو تعبير صحفي وسياسي ويعني: محاولة لتشويه سمعة الشخص من خلال المبالغة أو تضليل نصف الحقائق أو التلاعب بالحقائق لتقديم صورة غير صحيحة للشخص المستهدف لغايات رفضه من قبل المجتمع، وكثيرا ما يصعب عكس أو تصحيح هذه الأعمال في أذهان الناس. فهذه الأفعال تتطلب التكرار وتتطلب قصد خاص كونها أعمال منظمة تهدف الى تحقيق هدف محدد وبالتالي يجب ان لا تختلط بجرائم بالذم والقدح والتي قد تم بمجرد ارتكاب فعل واحد.
2. الحض على الكراهية: لا يوجد تعريف جامع مانع لخطاب الكراهية ولا يزال هذا المفهوم محل نزاع واسع، لا سيما فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير وعدم التمييز والمساواة. لكن بالمحصلة هو أعمال مسيئة من شأنها تهدد السلم المجتمعي، فهو خطاب "تمييزي" (متحيز، متعصب، غير متسامح) أو "ازدرائي" (احتقاري، مهين، مذل) لفرد أو مجموعة من الأفراد بحيث يمس "العوامل المحددة للهوية" كالدين أو الانتماء الإثني أو العرقي أو اللون أو الجنس، ويمكن ان يرتكب بأي شكل من أشكال التعبير بما في ذلك الصور والرسوم والرموز وغيرها، لذلك لا يمكن النظر جريمة ازدراء الأديان بشكل منفصل عن خطاب الكراهية؟
رابعاً: من المهم إضافة فقرة ثانية الى المادة (38) من مشروع القانون وذلك لغايات تعزيز العدالة التصالحية، بحيث يكون نصها كالتالي: 2. إن صفح المجني عليه يسقط دعوى الحق العام والعقوبات المحكوم بها إذا كان موضوع الدعوى هو إحدى الجنح المنصوص عليها في المادتين (15) و(16) من هذا القانون ما لم تتحقق إحدى حالات التكرار.
وأخيرا، هذه مطالعة عاجلة بشأن مشروع القانون المقترح وأتمنى على مجلس النواب الموقر الوقوف عند بعض هذه الملاحظات، فمشرع الحقوق والحريات في بلدنا العزيز مدعو -بحكم الأمانة التي يحملها فوق كتفيه وبحكم الظروف التي يعيشها الوطن – بأن يكون حامياً لسيادة القانون ورسولاً للحرية ومبشراً بالتقدم، وراعيا للعدل، فهذا المشروع مهم وفكرته محل اعتبار، ودور مجلس الامة ان يعمل نوعاً من التوازن بالنظر إلى حقوق المنوي حمايتها في مشروع هذا القانون.