التأسيس لثقافة الحوار
جفرا نيوز - كتب خالد المعايطة
يقوم ناموس الكون على الإختلاف، والإختلاف هو أساس استمرار الحياة، فإختلاف الناس سنه كونية أبدية وتمايزهم طبيعة بشرية، وكما أن هنالك تمايز مادي بين البشر كالجنس واللون والشكل فهنالك تمايز في العقل والفكر والرأي.
يُعّرف الرأي "بأنه تصور وقناعة تُبنى على أسس موضوعية يتفاعل معها العقل بأدوات ومنهج ينتج من خلاله رأيا يقوم على أساس يعتقد صاحبه بصحة ماذهب اليه".
وفي مقولة منسوبة للأمام الشافعي يقول فيها "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" ، وهذا تأسيسٌ يعتبرُ ممارسةً فضلى لمبدأ إحترام الرأي والرأي الآخر وقبول الإختلاف من غير إهانة أو ذم، فيترَك الباب موارباً لتعدد الآراء في المسألة الواحدة دون تشّنج او غضب، فالإختلاف لا يفسد للود قضية.
وفي إطار بحث مفهوم الإختلاف والتسليم به خصوصًا من ناحيتهِ الموضوعية متجسدًا بمفهوم الإختلاف في الرأي وتقبل الآخر وفي إسقاط هذا المصطلح على مدلول الحوار الذي يأخذ بتبادل الكلام وتداوله شفهيًا أو كتابًة لمعالجة قضية من قضايا الفكر والعلم والمعرفة بأسلوب متكافئ يغلب عليه طابع الهدوء والبعد عن الخصومة.
إن ما نشاهده اليوم من تراجع في مستوى ثقافة الحوار بات واضحًا ومؤلمًا، وأصبحت ثقافة عدم تقبل الآخر ورفض الفكر والرأي المغاير والتعصب سمًة واضحًة فالكل يدعي أنه يمتلك المعلومة كاملة، فالحوارات المجتمعية بين الافراد يسودها العنف ومواجهة الأفكار بشدة وقساوة وعدم تقبل النقد وعدم احترام التخصصية وتفتقر للثقافة وترفض حق الرد، وليس المستوى السياسي ببعيد عن ذلك فالنقاشات الحادة أثناء الحوار وسيطرة النزعة الشخصية وعدم إحترام الفكر المقابل، والتشكيك في أي رواية والتصدي لها بعدم مهنية، وعدم الإنصات هي السمة الغالبة، ومما لاشك فيه أن وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات قد فتحت المجال الواسع لكل الآراء والأفكار والتحولات، وما أن غاب الحوار ليتحول إلى شكل من أشكال الجدل العقيم.
ومع تراجع دور المؤسسات الثقافية والفكرية والإعلامية في التأثير وقيادة النقاش أصبح هنالك حالة من الانقسامات الشديدة في المجتمع مصحوبًة بغياب قيّم الحوار وأخلاقياته، لذا يقع على عاتقنا جميعًا من أفراد و مجتمع ودولةً ممثلًة بمؤسساتها التعليمية والإعلامية بإرساء وتأسيس لمنظومة التحاور وتقبل الآخر واختلاف الفكر، فالبيت والمدرسة والجامعة والمؤسسات المجتمعية والتشريعات عليها بغرس هذه القيّم، فالتشجيع على الحوار وتقبل الرأي ومايتيحه من وسيلة لتبادل الآراء والمعلومات وفهم وجهات النظر المختلفة بين الأفراد يساعد على تشجيع التنوع وإحترام الإختلافات الثقافية والفكرية ويمهد الطريق لفهم أفضل لتجارب الآخرين وتحقيق الغاية المنشودة