كيف تقرأ المكتوب
جفرا نيوز - بقلم د. صلاح جرّار
قد يبدو هذا السؤال غريباً، غير أنّ الذين يتأمّلون تعليقات القرّاء على أيّ مقالٍ أو منشور يظهر في المواقع الإلكترونية أو حسابات الفيسبوك أو الصحف اليومية أو غيرها يلاحظون أنّ هذه التعليقات تذهب مذاهب شتّى في فهم المادة المنشورة، ولذلك يصدر عن أصحابها أحكامٌ قد تجافي الحقيقة أو تجنح إلى المبالغة وتجرّ وراءها تعليقات أخرى لقرّاء آخرين جرى التأثير عليهم جرّاء تعليقات غيرهم.
وتأخذ هذه الظاهرة شكلين رئيسيين أحدهما يتّصل بالقارئ العادّي الذي يطلق العنان لأوهامه أحياناً فيصدر عنها، والثاني يتّصل بالمسؤولين ويتمثل في توهمّ الواحد منهم أنّ المنشور يقصده هو بشكل شخصيّ.
أما القارئ العاديّ الذي يجعل من أوهامه شريكاً ودافعاً له في أحكامه فهو في العادة يأخذ من المادّة المنشورة ما يريد ويترك ما يريد، أحياناً بسبب التسرّع وفي أحيان أخرى عن قصدٍ وسوء نيّة، فينسب إلى لسانك ما لم تقله ويحمّلك مسؤولية ذلك ويحاسبك عليه ويدعو غيره إلى محاسبتك، وفي أحيانٍ أخرى تكون قراءة هذا القارئ للمنشور خلافَ ما تريد قوله تماماً ولا يكون متابعوه على استعداد للتحقّق من صحّة الحكم الذي أصدره عليك أو عدم صحّته.
وفي حالات أخرى ينطلق هذا القارئ في حكمه الجائر من حدود معرفته فقط وفي كلّ ما يقرأه يرجع في حكمه إلى تلك المعرفة التي حصر نفسه فيها ولم يتجاوزها إلى غيرها، فإذا كان موضوع منشورك في الشرق جاء تعليقه في الغرب، وإذا كان ما نشرته يتحدث عن الطبّ فإن تعليقه يأتي في اللغة أو التاريخ، لأن ما يعلّق به يمثّل حدود معرفته التي لا يريد أن يتخطّاها.
وعندما تواجهني مثل هذه التعليقات أو مثل هذه القراءة الخارجة عن قواعد القراءة الصحيحة في حسابي على الفيسبوك فإنني غالباً ما أذهب إلى حذف المنشور تفادياً للدخول في نقاش عقيم مع من لا يحسن القراءة.
أما الصورة الثانية من صور هذه الظاهرة فهي ما تجده أحياناً عند المسؤولين الذين يخيّل للواحد منهم أنّ المنشور يقصده شخصياً إذا كان حديثك عن الوزارة أو المؤسسة أو الدائرة التي يترأسها فيسارع إلى الردّ على المادّة المنشورة والعمل على تبرئة نفسه. والأصل في هذه الحالة أن يدرك المسؤول أنّ الحديث عن ظاهرة سلبيّة أو إيجابية في المؤسسة التي يرأسها هو لمصلحة المؤسّسة وأنّ الظاهرة قد تكون موجودة في المؤسسة قبل أن يتولّى هذه المسؤول إدارتها، ولكنّ ذلك لا يعفيه من تحمّل مسؤولية الإصلاح بعد أن يعرف مواطن الخلل في مؤسّسته?
أمّا الحالة التي تستحق أن يقوم المسؤول بالدفاع عن نفسه فيها ردّاً على منشورٍ أو مقال ما فهي عندما تكون في المادة المنشورة إساءة شخصية مباشرة لذلك المسؤول.
والذي أراه أنّ على المسؤول أن يكون واسع الصدر وأن يتقبل الانتقادات ويعمل على الاستفادة منها في خدمة مؤسّسته وتطويرها، لأنّه لا تخلو مؤسسة من ثغرات أو من حاجة إلى الإصلاح والتطوير الدائمين.
إنّ أهمّ ما تحتاج إليه القراءة الصحيحة لأيّ نصّ مكتوب هو عدم الابتعاد عن موضوع المادّة المنشورة، وعدم اجتزائها بهدف تحريف المقصود منها، وعدم التسرّع في إصدار الأحكام عليها، وعدم المبالغة في تحميلها أكثر ممّا تحتمل من المعاني والمقاصد، وعدم إسقاط آراء القارئ ومعتقداته ومجالات معرفته واهتمامه. وبذلك تغدو القراءة أدنى إلى الفهم المنطقي وأكثر نفعاً وفائدة.