5 أسئلة بشأن تحديات البديل والشغور في حاكمية المركزي اللبناني

جفرا نيوز - كان يمكن لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة (72 عاما)، أن يطوي 30 عاما من توليه أحد أعلى وظائف الدولة بنشر مذكرات عن مسيرته الحافلة بحصد الألقاب والجوائز العالمية، ليس كصاحب أطول ولاية فحسب، بل كواحد من "أفضل 6 مصرفيين بالعالم" كما صنفته مجلة "غلوبال فاينانس" (Global Finance) عام 2011، وأول حاكم مصرف عربي يفتتح بورصة نيويورك في 2009.

لكن سلامة حامل الجنسيتين اللبنانية والفرنسية، والذي تبوأ منصب حاكم مصرف لبنان في أغسطس/آب 1993 ومددت ولايته 4 مرات (1999 و2005 و2011 و2017)، سيغادر منصبه نهاية يوليو/تموز الجاري وبحقه مذكرة توقيف دولية، ومثقلا بالكثير من الدعاوى القضائية الداخلية والخارجية.

وسلامة الذي اشتهر بمقولة "الليرة بخير"، أرسى تثبيتها عند 1507 ليرات للدولار بعد الحرب الأهلية، وهندس السياسات المالية للبنان، وها هو ينهي ولايته الخامسة بخسارة الليرة 98% من قيمتها منذ خريف 2019.


وبات التجديد لولاية سلامة، الذي تجاوزت ثروته 150 مليون دولار، خيارا مستحيلا، بينما قررت محكمة الاستئناف بباريس مطلع يوليو/تموز الجاري، تأييد قرار الحجز على أمواله، ضمن مسار محاكمة محتملة له بتهم فساد.

وسلامة الذي ينفي التهم الموجهة إليه، ويعتبرها سياسية لتشويه صورته، حجز القضاء الفرنسي على أصول له وممتلكات تقدر بعشرات ملايين اليوروهات، وتشمل شققا فاخرة بأوروبا وحسابات مصرفية، وثمة اشتباه بحصوله عليها بعمليات اختلاس ضخمة من الأموال العامة بلبنان.

وأعلنت ألمانيا ولوكسمبورغ وفرنسا في مارس/آذار 2022، تجميد 120 مليون يورو من الأصول اللبنانية، إثر تحقيق استهدف سلامة ومقربين منه، بينهم شقيقه رجا ومساعدته الشخصية ماريان الحويك التي وجّه القضاء الفرنسي لها قبل أيام اتهامات بالفساد المالي.


وفيما لدى القضاء اللبناني دعاوى بحق سلامة، يرى خبراء أنه يحظى بحماية واسعة داخليا، نظرا لارتباطه بالنخبة الحاكمة، ما قد يدفعه للبقاء بلبنان.

ووفق العرف اللبناني، تتولى شخصية من الطائفة المارونية المسيحية منصب حاكمية المركزي، وعند شغوره، ينص قانون النقد والتسليف على تولي النائب الأول للحاكم مهامه، وهو من الطائفة الشيعية ويشغله حاليا وسيم منصوري المحسوب على ثنائي حزب الله وحركة أمل لحين تعيين بديل.

وبينما يعاني لبنان من الشغور الرئاسي منذ 9 أشهر، فإن تعيين حاكم أصيل غير ممكن قبل انتخاب رئيس للبلاد، ومع غياب التوافق السياسي على اسم بديل، تشتد الصراعات السياسية لتأخذ أبعادا طائفية.

وهنا، تطرح الجزيرة نت 5 أسئلة حول اقتراب موعد مغادرة رياض سلامة لمنصبه، على كل من: أستاذة القانون المتخصصة بالشأن المصرفي سابين الكيك، الخبير المصرفي علي نور الدين، والكاتب والمحلل السياسي علي حمادة.

ترفض سابين الكيك وصف الـ30 عاما بـ"ولاية سلامة"، بل إنها عقود من الحكم الأوتوقراطي، لأن الأساس بالمؤسسات المداورة برأيها، وأن "تجدد ولاية موظف كبير 4 مرات، تصبح ولاية الأمر الواقع لشخص واحد"، وهي معادلة "تناقض الشفافية ومكافحة الفساد، خصوصا أن حاكم المركزي مسؤول مباشر عن النظام المالي للبلاد".

وتعتبر سابين أن حقبة سلامة قامت على إخفاء الحقيقة مقابل تلميع سمعته، "ما يجعل من خروجه باتهامات الاختلاس وتبييض الأموال، ذات رمزية كبيرة".

في حين، يرى علي حمادة أن ولاية سلامة صورة متناقضة بين النجاح الهائل والأضواء العالمية، وبين النهاية الحرجة بأصعب تجلياتها، "فمن العظمة ومئات الجوائز والأغلفة بكبريات المجلات المالية، يتعامل الرأي العام المحلي والدولي معه كأحد أركان الانهيار المالي".


ما السيناريو المرتقب بعد انتهاء ولاية سلامة؟

يعتقد علي نور الدين أن مسألة التجديد لسلامة غير مطروحة، وسيستلم مهامه النائب الأول وسيم منصوري الذي زار مؤخرا واشنطن، وقابل مسؤولين بوزارة الخزانة الأميركية، "ما يدحض القول إن الثنائي الشيعي لا يرغب باستلام منصوري مهام الحاكم تجنبا لتحمله هذه المسؤولية الكبيرة"، ويرجح نور الدين أن يعمل منصوري بذهنية سلامة.

وهنا، تعقب سابين الكيك قائلة إنه لا يوجد خيار قانوني إلا بتولي منصوري مهام سلامة، لكن "المهام تختلف عن الصلاحيات، وتقتصر على تسيير المرفق العام".

ويتفق حمادة مع نور الدين مضيفا "سيبقى طيف سلامة حاضرا وقد يساند منصوري بالكواليس، مقابل توفير الحماية القضائية والسياسية لسلامة".

وبصورة مفاجئة، صدر بيان مشترك هو الأول من نوعه من قِبل النواب الأربعة لحاكم المركزي (وسيم منصوري، وبشير يقظان، وسليم شاهين، وألكسندر مراديان)، مساء
الخميس، وكان بمثابة تلويح بالاستقالة أو الاعتكاف بعد انتهاء ولاية سلامة، أو دعوة للتمديد له، وفق محللين، ومما جاء فيه: "نرى من واجبنا التشديد على ضرورة تعيين حاكم بأقرب وقت.. ولا يجوز أن ينسحب مفهوم تصريف الأعمال على السلطة النقدية الأعلى، وإلا سنضطر لاتخاذ الإجراء الذي نراه مناسبا للمصلحة العامة".


ما تداعيات خروج سلامة من المركزي؟

يتطلع كثيرون لأثر خروج سلامة من المركزي، بعدما أنشأ منصة "صيرفة" في مايو/أيار 2021، كحالة استثنائية، وبدأت حينها بسعر صرف دولار مقابل 12 ألفا، وتناهز اليوم 85 ألفا، بعدما عجزت عن تأدية وظيفتها بضبط سعر الصرف، والقضاء على السوق السوداء.

وتتساءل سابين عن قدرة منصوري بإدارة منصة صيرفة، وتقول "إن سلامة شخصية استثنائية كرجل سوق يجرؤ على المخاطر، وليس معلوما إن كان منصوري قادرا على انتهاج أسلوبه، بعدما تحدثت التقارير الدولية عن مضاربات تسببت بها منصة صيرفة".

وهنا، يذكر نور الدين أن أدوات التدخل بالسوق وأسرار عمل "صيرفة" بيد سلامة الذي يحترف اللعبة، لذا، "قد لا يترك منصوري يتخبط وحده، لأن الطبقة السياسية تريد إبقاء العمل بمنصة صيرفة"، ويعتقد أن عرابيّ التسلم والتسليم بين سلامة ومنصوري، هما رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ورئيس البرلمان نبيه بري، اللذان سيحرصان على انتقال المهمات ونواة اللعبة لمنصوري، لمواصلة ضبط الشارع.

في حين، يذهب علي حمادة للمعنى السياسي بالقول "سيثير خروج سلامة الصراع الطائفي، لأن المسيحيين سيعتبرون مناصبهم العليا بالدولة شاغرة، من رئيس الجمهورية مرورا بحاكمية المركزي، وانتهاءً بقائد الجيش جوزيف عون الذي تنتهي ولايته نهاية العام الجاري".


كيف سيؤثر انتهاء ولاية سلامة على مسار التحقيقات بحقه؟

يتوقع علي حمادة أن تتواصل وتتصاعد الملاحقات القضائية الخارجية بحق سلامة والمقربين منه بعد مغادرة منصبه، مقابل عدم الجدية بملاحقته القضائية داخليا.

وهنا، تجد سابين الكيك أن سلامة يتسلح بحصانة السيادة القضائية اللبنانية، مستبعدة أن تسهل الدولة اللبنانية أي ملاحقة خارجية بحقه على قاعدة أن لديها حقا قانونيا بعدم تسليم مواطنيها لجهة خارجية، لكن ذلك "يشكل خرقا للاتفاقيات الدولية التي تلزم لبنان بملاحقة ومحاكمة المتهمين بشبهات فساد واختلاس، ما يضاعف زعزعة الثقة بالقضاء اللبناني".


هل من شخصيات مرشحة لتولي منصب حاكم مصرف لبنان؟

عمليا، يتم تعيين حاكم للمركزي بلبنان بعدما يرفع وزير المالية الأسماء، ويعين مجلس الوزراء أحدها بموجب مرسوم، ويتولى الحاكم منصبه، وبحسب المادة 18 من قانون النقد والتسليف، يتوجب عليه أداء القَسم أمام رئيس الجمهورية للقيام بوظائفه، وطالما أن الشغور الرئاسي قائم، يعتقد علي نور الدين أن تعيين بديل لسلامة غير مطروح بجدية.

في حين، يتحدث علي حمادة عن أسماء متداولة، مثل المصرفي اللبناني العالمي سمير عساف حيث طرح الفرنسيون اسمه، وكذلك المصرفي ووزير الاقتصاد السابق منصور بطيش المقرب من التيار الوطني الحر، واسم وزير العمل السابق والعضو في نقابتي المحامين في نيويورك وبيروت كميل أبو سليمان، إضافة لطرح سابق لاسم مرشح رئاسة الجمهورية المسؤول بصندوق النقد الدولي جهاد أزعور الذي أعرب عن عدم رغبته بتولي المنصب.

وتعتقد سابين الكيك أن المهم بمرحلة "ما بعد سلامة"، ليس العثور على بديل، بل الشروع بإعادة هيكلة إدارية وتشريعية ومالية بالمصرف المركزي الذي يحتاج لنهج مؤسساتي مختلف، "لأن أي شخصية ستخلف سلامة، ستصطدم بكَم هائل من العقبات التي ستعيق الإصلاح المصرفي، لنهج عمره 30 عامًا".