سلام على من استفّ ترابَ الأرض
جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي
منذ أيام ومواقع التواصل تذكرنا بعيد الأب. فمن ينسى أباه؟ وهل يُنسى الأب؟. كيف أنساك والمكان يمتلئ بك حتى شوشة الروح. كيف ننساك وأنت تعطر الغروب بماء قواروير الزريعة لتمنحها وهج المساء ولمة العائلة. كيف ننساك وأنت فينا. وأنت نحن، كلنا كلنا. في مرج الذكريات أنت وفي باحة حنين السهرات، وخيوط الحكايات. من ينسى ضحكة الأحفاد يتكوكبون حولك لنيل أحضانك الوارفة. أيها القريب القريب. أنت ما بعدت ذرة تراب رغم ثقل التراب والبعاد.
أستعيدني يا أبي طفلاً تحمله على كتفيك إذا ما نال منه تعب الطريق، وتمشي أرض الوعر وحين تسأله: هل تعبت؟!. وكنت أهز رأسي نافياً بخبث. فكيف سيتعب الراكب يا أبتي؟، كيف سيتعب من تداعب ركبتيه بكل ذلك الحنان، ومن (تزغون) عليه كل ذيك الأغاريد.
وسأستعيدني يوم جئتك حاملاً فسيلة توت أرضتني بها خياطة ثوب روضتي الأول، بعد أن صفعت يدي لأني كسرت ورودها حين لعبت مع فراشة عابرة. يومها أخذت الفسيلة وحفرت شقاً صغيراً في الصخرة عند عتبة الدار وزرعتها. وأمي تنهاك: يا رجل كيف ستعيش هذه النبتة الضعيفة في صخر عنيد. لكننا كبرنا معاً يا أبي رمحاً لرمح. أنا والتوتة. وتطاولت فينا أحلام الحرير رغم أنف الجدران.
وهل أنسى سفري للدراسة في بغداد كان ذلك عناداً من عند نفسي، والحرب تتحمحم في أفواه المدافع آنذاك، والجيوش تحتشد على الحدود. كنت تريدني صلباً جامداً كما ربيتني، وكيف أنني في لحظة الوداع بحثت في عينيك عن بريق دمعة، فما وجدتها، وقلت في نفسي والدمع يغالبني: يالا قسوة الآباء. بعدها بأعوام أخبرتني أمي أنها للمرة الأولى في حياتها تشاهد غزارة عينيه لحظة غابت الحافلة التي أخذتني.
وفي مثل هذه الأيام قبل ثمانية أعوام كنت تصارع مرضاً خبيثا باغتنا وباغتك. وكنت أتلمس الأمل في أنفاسك ونظراتك وكلماتك. وكنت تريدنا ملاحقاً لأحلامي التي علي أن أجنيها من الصخر وسماء الجدران. وكنا إخوتي وأنا نستبق أيانا يحظى بالمبيت جوارك في المشفى. أتذكر حين أطعمتك بيدي فقلت إن هذه اللقمة ليست لي. لكني لم آخذ كلامك على محمل الجد. وخطفك الموت في ذلك المساء الحزين.
لأجلك أيها الأب الجد ولأجل الأبوة في الأرض والحياة. لأجل من انحنت قاماتهم تحت ثقلنا، وثقل مطالبنا وفي زراعة أحلامنا. لأجل تعبهم النبيل الجليل، سلام عليك يا أبي، وسلام عليك، سلام على عنائك وصبرك وسلام على التراب الذي سففته؛ لننعم بلين العيش وكرامة الحياة. وسلام على التراب الذي يحتويك.