يذوب اللاجئ كما ذاب الذين قبله
جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي
وفق تقرير الاتجاهات العالمية 2023 الصادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) منتصف الشهر الحالي يستضيف الأردن لاجئين من 49 دولة يشكلون في مجموعهم ربع السكان، إذ بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى أونروا نحو 2.4 مليون لاجئ، وقرابة 61 ألف لاجئ عراقي وأكثر من 1.3 مليون سوري و12771 من اليمن، و5171 من السودان، و587 من الصومال.
إذا كانت المفوضية السامية ترى في هؤلاء اللاجئين أرقاما وأحمالا فنحن نراهم إخوة وأهلا فروا من معمعيات حروبهم وكروبهم، وطالما كان هذا البلد ومنذ أكثر من قرن ونصف محجا لمن يفرون بأرواحهم بحثا عن الأمان.
لكن التاريخ الإنساني الملطّخ بعار تلك الحروب والكروب يذكر لنا بلسان طلق أن قلة من اللاجئين عبر العالم رجعوا إلى بيوتهم بعد إنطفاء نيرانها. هذه حقيقة مرة مريرة تتعامى عنها السياسة والمجتمعات بشكل عام. وما نذكره هنا ليس إلا شعورا نحسه ونعانيه مع من يحملون غصة اللجوء الأبدية في قلوبهم. فاللاجئون كانوا وما زالوا في ذيل أجندة السياسة. هم المقصيون القابضون على جمر معانتهم، الدافعون ثمنها بمأساة تتجدد طالع كل نهار.
الحياة بتفاصيلها وشذراتها تأخذ هؤلاء اللاجئين في كثير من الأحيان، فيتكيّفون معها ويصيغون منها حياة موازية لحياتهم السابقة ويقنعون بها ويقبعون فيها. وكأن الإنسان في أبسط تعاريفه يبقى كائنا سريع التأقلم والقبول. وهنا مأساة أكبر.
قبل أسبوعين صدر استطلاع نفذته المفوضية أشار إلى أن 97% من اللاجئين السوريين في الأردن لا ينوون العودة إلى بلدهم خلال العام المقبل، مع أن 86% منهم لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الأساسية.
فمن المفروض أن الحرب خمدت في سوريا التي عادت إلى الأحضان العربية حسب خلاصات قمة جامعة الدول العربية الأخيرة في جدة. فلماذا إذن لم يعد اللاجئون إلى بيوتهم وأعشاشهم وحواكيرهم وحقولهم وحياتهم التي لا ينسونها؟. كيف ينكصون عن هذا والطريق مشرعة لهم، ولا يعترضهم شيء. فلا أحد يشكّك للحظة واحدة بضعف نستولوجياهم وحنينهم إلى بيوتهم، أو بقاياها أو ركامها، ولا بتوقهم إلى أرواحهم المتروكة هناك.
للأسف الشديد فالسياسة قفزت عن هؤلاء بكل عنجهية، وكأنها تسعى إلى تثبيت واقع حالهم؛ كي يسقط وطنهم بالتقادم من حساباتهم الروحية والمادية، ويذوبوا كما ذاب لاجئون سابقون في بلد يعاني ولا يشتكي.