أين ذهب «الساخرون»؟

جفرا نيوز - بقلم رنا حداد

 لم نعد نقرأ كتابات ساخرة، حتى تخال ان الكتّاب الذين اضحكونا كثيرا بسخريتهم اللاذعة، التي عبّروا فيها عن الواقع والحياة، قد كبروا، وترهلت الضحكة المصوغة من وجع، فهل استسلم هؤلاء وقالوا كفى ؟ .

وإذ غادر كتّاب «السخرية» الذين سخَّروا الكلمة بشكل مؤثر وفعال ليعبروا برؤية دقيقة خارجة عن المألوف، عن أعمق الاوجاع بضحكة، حل محلهم كتّاب «المسخرة» بكل معنى الكلمة، فلا محتوى ولا شكوى.

لربما خدمت منصات وتطبيقات هؤلاء الكتاب، ومن يظنون انهم ساخرون، وضجت صفحاتهم بـــ  «ههههههه» و «ايموجي ضاحك»، ولكن الحمدلله، نحن على الأقل الذين عشنا، كتابات ساخرة واقعية اكثر من الواقع، خطها كتّاب ساخرون كانوا قادرين على التأثير، من خلال طرح وجهة نظر مختلفة، علقوا مشانق الفساد والتغول والاستهتار على اعمدة زوايا صحف ومواقع، ضحك الناس منها وبكوا.

وايضا لفتوا انظار اصحاب القرار، بسخرية وجهت لنقد قضايا سياسية واجتماعية ومواقف حياتية بائسة، وكان الهدف منها توجيه السياسات والناس، نحو قيم التغيير الايجابي؛ لأنهم قدموا بطريقة بسيطة عميقة ساخرة طريفة مضحكة حتى، تشريحا للقصور والخلل، لم نمت إلى الآن من الضحك، والفضل كل الفضل لغياب الإبداع عن «المسخرة» التي تقدم اليوم.

ليست مهمة كتابة السخرية فقط ان تجعلك تضحك، ولكن ان تبكي أيضاً، كما قال أبو الطيب المتنبي «ولكنه ضحك كالبكا».فوقود السخرية، الألم الذي يسببه الظلم، وغياب قيم يرى فيها الناس عوامل توازن واستقرار لحياتهم.

اتذكر مقالا ساخرا للراحل محمد طملية سخر فيه من تعيينات جاءت فيه الاسماء لعائلة واحدة، هذا المقال «جبر» الحكومة انذاك ان تلغي هذا القرار. 

قد تعمل الكتابة الساخرة الهادفة على التغيير، اذا قدمها كاتب يمتلك وجهة نظر، وليس وجه فقط، ولديه موقف من الحياة والفنّ والأوضاع السياسية والاجتماعية، وليس فقط حسابا ممولا على مواقع التواصل، و»شوية جمهور»، بالإضافة إلى العنصر الأهم وهو الموهبة التي تمكّنه من صياغة موقف يستطيع إبداعه وتقديمه بكتابة ساخرة، بعيدا عن «الهبل».

وفيما نضحك بلا هدف على «مسخرة» يجد العالم في البرامج الساخرة مصادر للمعلومات، فمثلا أشارت دراسة عن مركز «بيو للأبحاث» إلى أن 60 % من الشباب الأمريكي يحصل على المعلومات من البرامج الساخرة، مثل برنامج «لاست ويك إند» حيث يبحث عن معلومات حقيقية على تماس مع حياة الناس ويقدمها بطريقة ساخرة.

يبقى القول بأن الروح الساخرة تولد مع الكاتب مثل ملامحه، وتصقل بانخراطه بالمجتمع، والاهم الثقافة الشعبية المحيطة.