اسحبوا الهواتف من أياديهم
جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي
في هذا الأيام ستبدأ الأسر بتبادل التهاني مع أسر صديقه وقريبة وجيران بمناسبة الانتهاء من معمعية الامتحانات المدرسية، باستثناء تلك التي عندها توجيهي فهو توجيع آخر، ففي زمننا هذا العجول الأكول صار الآباء، والأمهات تحديداً، وكأنهم هم من يقدمون الامتحانات ويدرسون، ويتعثر مزاجهم وتنقلب حياتهم فوقاني تحتاني، وترفع لديهم قياسات ضغط الدم وتشتاط فيروسات النرفزة.
لكن وبعد أيام من الآن ستضج ذات البيوت بالشكوى من جديد، بعد تفرغ أبنائها الكامل بكل شغبهم لعطلتهم. وما سيبقى موجعاً أكثر، أننا ما زلنا نسمي فترة الانقطاع عن الدراسة بأنها عطلة، أي تتعطل فيها حياة الابناء. وأستغرب أننا لا ننظر لهذه الفترة الزمنية بأنه امتداد طبيعي للمدرسة والتعليم والتثقيف، والترويح والمتعة، بالطبع باستثناء الامتحانات وثقل دمها.
لا يعجبني أن نسمي النشاط الذي يعيشه الطالب خارج الغرفة الصفية نشاطاً لا منهجيناً، بل يجب أن يكون منهجياً، خاضعاً لخطط تراعي حاجات الطفولة النفسية والعقلية والعاطفية. فهل خططنا كيف سيقضي أبناؤنا عطلتهم الصيفية.
أخاف عليهم من كل هذا الفراغ إن لم نملأه بالمفيد والممتع والمؤثر. أخاف عليهم من تطاير أيامهم دونما برمجة مدروسة. وحين نتركهم نهباً لشاشات الهواتف الذكية التي ستجعلهم كائنات غبية، يتسمرون أمامها يأكلون بلا وعي ويسمنون ويتكاسلون، أخاف عليهم من سجن شققهم الصندوقية، وأخاف أكثر حينما يتخذون الشوارع ملعباً تنغصه عليهم السيارات وشتائم الجارات والمارة، أخاف عليهم حينما لا يجدون مكاناً نظيفاً قريباً يقضون أوقاتهم به، وحين لا يأخذون نصابهم الوافي المشبع من اللعب.
البعض يعجل في إلحاق أبنائهم بمراكز تحفيظ القرآن، وهذا عظيم ومفيد، ولكنه لا يكفي أبداً. لا يكفي أن تنقلب حياة الطفل إلى دراسة وحفظ وتلقين. فمن المهم أن يلعب الطفل، أن يلعب ألعابه الفردية والجماعية، وأن يعيش بعض خيالاته وأفكاره وتصوراته، وأن يحيا طفولته، حتى لو كانت بعجن الطين. فاللعب جزء أساسي من الحياة، ولنتذكر دائماً أن طفلاً ينشأ بلا لعب، سيصبح مشوش الشخصية.
حدائقنا العامة قليلة، لأننا ركزنا على زراعة الحجر والشوارع ونسينا أن نحسب حساب الطفولة واحتياجاتها، وفي هذه الحدائق، ما زلت ألاحظ الآباء وهم يجلسون بصرامة مفتعلة يراقبون أبناءهم بملل وتكشير، وكذلك الأمهات المنكمشات المنقبضات، وهن يحسبن بالثواني موعد إغلاق الحديقة، كي يسترحن من هذا الهم الذي يسمى لعب.
دعوهم يلعبوا ويمرحوا ويتعلموا. والأهم اسحبوا الهواتف من أياديهم لبعض الوقت فهي تأسرهم وتدجنهم على البلاهة. دعوهم يعيشوا وقتهم باللعب الطبيعي لننشئ جيلاً مكتمل النمو. وإذا كان من الجيد أن نوافر لهم وسائل اللعب والألعاب والأوقات، فإنه من الأجمل أن نشاركهم طفولتهم ونعيشها معهم بل ونلعب معهم احيانا ونشعرهم بأننا نقدر لهم هذه الأوقات التي يعيشونها.