أخلاق الدولة.. وأخلاق الناس أيضاً

جفرا نيوز - بقلم حسين الرواشدة

أعرف تماما أن منظومة القيم والأخلاق في مجتمعنا تعرضت، على مدى السنوات الماضية، لحملات استهدفتها، سواء باسم السياسة التي غيبت موازين العدالة والمساواة، وأشرعت الأبواب لحملة المباخر والواسطات، وأهملت الكفاءات، أو باسم الفنون التي خدشت الحياء العام، وتجرأت على التقاليد والتعاليم والفضائل، أو باسم «التدين» المغشوش الذي اختزل «الخلاص» في الفرد، والدين في الطقوس التي تحولت الى مجرد عادات، أو باسم الثقافة، وما افرزته من تفاهات تحظى بالتشجيع والاحتفاء، أو باستغلال حالة المعيشة الصعبة، لكن ما أعرفه، أيضا، أن مجتمعنا قاوم وما يزال يقاوم، صحيح أنه استغرق أحيانا بالسلبية، وانكفأ على نفسه، لكنه لم يخسر أخلاقه رغم كم الضغوطات.

حين ندقق اكثر في مجالنا العام، نكتشف أولا أن ما أصاب أخلاقنا من جراحات وتراجعات ليس مفاجئا، فقد كان نتاجًا طبيعيا لعمليات طويلة من النحت والتدوير ساهم فيها الكل، بفعله أو بصمته، نكتشف، ثانيا، أننا احتشدنا لمواجهة أو ادانة ارتدادات هذه الازمة حين انعكست على مرايانا السياسية أو الاقتصادية على شكل (فساد) سرق أموالنا، أو تجاوز على حقوقنا، لكننا لم نفعل ما يجب أن نفعله في المجال الأهم وهو أخلاق الناس، حيث التربية والتعليم والتوجيه... والقانون أيضا.

فساد الاخلاق لا يتعلق فقط بما نراه أحيانا في (العوالم السفلى) حيث تشهر الرذيلة عن نفسها، ولا في الفجور الذي يمارسه البعض في حياتهم الخاصة، وانما نراه أيضا في السلوك العام، خذ مثلا ما يحدث في قطاع الصحة والغذاء حين نام ضمير البعض فأطعمونا الغـذاء الفاسد، وتلاعبوا بدوائنا، خذ أيضا ما يفعله بعض (المهنيين) من غش وتدليس وافتراء على جيوبنا، خذ، ثالثا، هؤلاء (البلطجية) الذين انتشروا في شوارعنا كيف يمارسون (الخاوة) أحيانا، ولا يتورعون عن القتل أحيانا أخرى.

صحيح، من المهم ان نسأل : من يتحمل مسؤولية هذا الفساد الاخلاقي الذي امتد من ساحات المدارس والجامعات الى الشوارع «والبيوت المغلقة» ثم الى المجال العام ايضا؟

لكن الأصح ( الأهم) ان نتوافق على أن سؤال الأخلاق، أصبح اليوم، أو هكذا يجب، سؤال الدولة بامتياز، ليس فقط لأنه آخر «رأسمالنا الوطني»، وإنما أيضا لأنه أساس بناء الدولة، دولتنا، وعنوان هويتها وشرعيتها، والحارس الأمين لاستقرارها واستمرارها، وبالتالي فإن الإجابة عنه، بصراحة وحكمة، أصبح مطلوبا وضروريا، بما تقتضيه الإجابة من اعتراف بالإصابات التي طرأت على أخلاقنا، وأسبابها ومن يقف وراءها، فإصلاح الأخلاق يجب أن يتقدم على إصلاح السياسة والإدارة والاقتصاد، أو أن يتوازى معها على الأقل.

لا يكفي أن نستنكر حالة «التسفل» الاجتماعي والسياسي التي وصل اليها بعضنا، ولا أن نترصد مجتمعنا لنحصي أخطاءه وما يطفو على سطحه من إساءات وإشاعات، إصلاح الأخلاق العامة يجب أن يكون مشروعا للدولة، وأن يبدأ من الطبقة السياسية، حيث أخلاقيات الوظيفة العامة، وآداب الخصومات السياسية، وأخلاقيات التدين والتعليم والإعلام والقطاع الخاص والبنوك.. إلخ، وحيث حضور «السلطان» الذي هو القانون، باعتباره أداة لإصلاح من لم ينفع معه أي وسيلة للإصلاح.

الأهم من ذلك، هو استدعاء أخلاقيات الدولة، بما تأسست عليه من قيم السماحة والعفو، والحكمة والاعتدال، هذا الاستدعاء أصبح ضروريا للرد على سؤال الأردنيين وأخلاقياتهم وعافية مجتمعهم، وسؤال الدولة التي تقف على عتبة التحديث السياسي لتدخل مئويتها الثانية، بشكل جديد وبصورة أحسن.