شاورما وحلوى شامية

جفرا نيوز - رشاد ابو داود

فاجأتني صديقة مهندسة على الفيسبوك بعد مقالي السابق عن بلدة «الرحَيْبة» السورية في السنة التي أعدتها في جامعة دمشق بسبب ثلاث علامات رفض الأستاذ مدرس المادة منحي إياها، برسالة على المسنجر وكان واضحاً أنها مبتهجة فظننت أن المقال أعجبها لسبب ما، لكن لم أتوقع سبب فرحتها.

قالت : كيفك استاذ رشاد، أنا من الرحَيْبة، عنجد انت درًست عنا بالبلد ؟

هنا، فرحت أنا، أن اتكلم مع أحد من تلك البلدة الطيبة البسيطة الجميلة بعد كل هذه السنين.

قلت : عنجد والله، كنت بسنة ثانية جامعة دمشق لغة انجليزية سنة 1971 – 1972.

ضحكت وقالت : سنة ولادتي.

انكمش فرحي قليلاً لأنها ذكّرتني بالعمر الذي أقاومه بالروح الايجابية وباتباع قول الامام علي بن أبي طالب « عش حياتك كأنك تعيش أبداً وعش لآخرتك كأنك تموت غداً «.

ربما أحست بانكماش فرحي وقالت : على فكرة أنا بتابعك كثير وباخذ منك جرعات تفاؤل وحب للحياة. واصلت الحديث عن بلدتها « الرحيبة طلع منها كثير نوابغ، أطباء ومهندسين وفنانين. الفنان أيمن زيدان من عنا من الرحيبة. عوائل كثير معروفة منها بيت غنام وتركمان والجاروف بس للأسف حالنا مثل حال كل سوريا الكفاءات عم تهاجر لبرَة.

قلت : لهذا السبب دمروا سوريا كما دمروا العراق. ضغطوا عليهم وأغروهم أن يعترفوا باسرائيل وعندما رفضوا قرروا تدمير البلدين وللأسف نجحوا لكن الى حين. وها هم العرب يدركون الحقيقة وتعود سوريا الى الجامعة العربية رغماً عن أميركا وأوروبا خاصة بريطانيا وفرنسا اللتين قسّمتا الوطن العربي في سايكس بيكو. وحاولتا مؤخراً تقسيم الشعوب بعد أن قسمتا الأرض خدمة للمشروع الصهيوني. فبريطانيا هي التي أوجدت الكيان الاسرائيلي بوعد بلفور وفرنسا هي التي بنت أول مفاعل نووي اسرائيلي لضمان تفوقها العسكري بالمنطقة. لكن خاب مخططهم وها هو الجندي المصري محمد صلاح ينتقم لفلسطين بقتل ثلاثة جنود اسرائيليين على الحدود. كذلك كان الرفض الشعبي العربي العفوي من مختلف الجنسيات للتحدث مع وسائل اعلام اسرائيلية في مونديال قطر استفتاءً على رفض وجود الكيان. كلهم كان لسان حال أحدهم حين قال « ما في اسرائيل..في فلسطين «.

العربي وخاصة الطالب لم يكن يشعر بالغربة في سوريا تلك الأيام تماماً كما لا يشعر السوري بالغربة في الأردن الآن سواء كان في عمان أو المفرق أو جرش أو عجلون او السلط والزرقاء. فكم من قرية حول تلك المدن تجد فيها لافتات محلات « حلوى شامية « أو « شاورما شامية « أو «مطعم الشام «. ويكفي أن تجد أشهر بوظة شامية في سوق الحميدية «بكداش « يفتتح فرعاً وسط عمان بجوار كنافة «حبيبة « النابلسية أو تدخل أي محل ليستقبلك شاب أنيق بلهجته الشامية المحببة.

حاولت الصديقة ابنة الرحيبة استدراجي لمعرفة اسم تلك الطالبة المشاكسة لكني رفضت. قالت : ما راح احكي لحدا. قلت : لا، لن أبوح باسمها فهي لم تعد طالبة، ربما الآن جدة ولها أحفاد.

انتهت سنة «الرحيبة «على خير ومعها انتهى عملي في تلك القرية التي أحببتها بطيبة أهلها وغنى فقرهم و» المتِّة» التي شربتها لأول مرة معهم، وهي عبارة عن عشب يشبه أوراق الشاي يوضع في كأس ويضاف اليه الماء المغلي ويشرب بواسطة «القشة « وهي أنبوب مثقوب من الفضة أو النيكل. علمت مؤخراً أن لهذا المشروب الذي يحتوي مادة الكافايين والحديد والمغنيسيوم وعدة فيتامينات، فوائد كثيرة منها تخفيض نسبة الكوليسترول في الدم ومنشط للقلب والأعصاب والعضلات.

سكننا التالي، أنا ونشأت كان في حي «المهاجرين» الذي يقع في سفح جبل قاسيون. لم يكن بيتاً بل غرفة ضمن شقة صغيرة في الطابق الرابع من بناية قديمة تؤجرها امرأة مسنة للطلبة بمئة ليرة سورية. المرأة شامية وزوجها المتوفى..جزائري.
وتلك حكاية أخرى.