نستولوجيا اللاجئين السوريين
جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي
ليس مستبعداً أن ينجح اليمين المتطرف في فرنسا باتخاذ الهجوم الذي شنّه لاجئ سوري على أطفال نهاية الأسبوع الماضي في مدينة أنسي مبّررا لتأجيج المشاعر نحو ما يسميه «النزعة المتوحشة الناجمة عن الهجرة الجماعية»، ولربما سيكون الحادث غير معروف الدوافع أرضية خصبة لما يعرف بكراهية الغريب «الزينوفوبيا»، ليس بفرنسا وحدها، بل في بلدان أخذت تتململ تحت وطأة اللجوء والتزاماته وقد راينا بالحرف الصريح كيف استخدمت ورقة اللجوء السوري في فحوى دعاية الانتخابات الرئاسية التركية.
يؤكد الحادث المؤسف كيف تغيب قضايا اللاجئين ومعاناتهم عن مانشيتات الصحف العالمية وعواجل الأخبار حتى يأتي حادث يهمز عش دبابيرها ويثيرها قبل أن تعود إلى بحر النسيان. كان اللاجئون وما زالوا في ذيل أجندة السياسة. هم المقصيون القابضون على جمر معانتهم، الدافعون ثمنها بمأساة تتجدد طالع كل نهار.
الحروب قد تخبو براكينها، وتبرد نيرانها ويسكنُ هدير مدافعها، ويهبط غبار معاركها وتصفو الأجواء، وينبت الزهر في خوذ قتلاها وعلى جنازير دباباتها المعطوبة، ولكن نارها تظل أجّاجة في أرواح من أجبرتهم على ترك بيوتهم، ليدمغوا بصفة لاجئين باحثين عن بقعة تحميهم في أصقاع الأرض.
التاريخ الإنساني الملطّخ بعار تلك الحروب وكروبها يذكر لنا بلسان طلق أن قلة من هؤلاء اللاجئين رجعوا إلى بيوتهم بعد إنطفاء نيرانها. هذه حقيقة مريرة تتعامى أجندة السياسة والمجتمعات بشكل. وما نذكره هنا ليس إلا شعورا نحسه ونعانيه مع من يحملون غصة اللجوء الأبدية في قلوبهم.
لكن الحياة بتفاصيلها وشذراتها تأخذ هؤلاء اللاجئين، فيتكيّفون معها ويصيغون منها حياة موازية لحياتهم السابقة ويقنعون بها ويقبعون فيها. وكأن الإنسان في أبسط تعاريفه يبقى كائنا سريع التأقلم والقبول. وهنا مأساة أكبر.
قبل يومين صدر استطلاع نفذته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين على لاجئين سوريين في الأردن ومصر ولبنان والعراق يشير إلى أنّ 97% من اللاجئين في الأردن، وبنسب مثلها تقريبا في البلدان الثلاثة الأخرى، لا ينوون العودة إلى بلدهم خلال العام المقبل، مع أن 86% منهم لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الأساسية.
من المفروض أن الحرب خمدت في سوريا التي عادت إلى الأحضان العربية حسب خلاصات قمة جامعة الدول العربية الأخيرة في جدة. فلماذا إذن لم يعد اللاجئون إلى بيوتهم وأعشاشهم وحواكيرهم وحقولهم وحياتهم التي لا ينسونها؟. كيف ينكصون عن هذا والطريق مشرعة لهم، ولا يعترضهم شيء. فلا أحد يشكّك للحظة واحدة بضعف نستولوجياهم وحنينهم إلى بيوتهم، أو بقاياها أو ركامها، ولا بتوقهم إلى أرواحهم المتروكة هناك.
للأسف الشديد فالسياسة قفزت عن هؤلاء بكل عنجهية، وكأنها تسعى إلى تثبيت واقع حالهم؛ كي يسقط وطنهم بالتقادم من حساباتهم الروحية والمادية، ويذوبوا في المجتمعات كما ذاب لاجئون سابقون.
البلدان المشمولة بالاستطلاع لم تشهد أية حالة زينوفوربيا ضد اللاجئين السوريين. بالعكس تماما، ففي الأردن يعيش معظمهم خارج المخيمات، ويعملون بأريحية تامة وبعضهم ضرب جذرا في متن الاقتصاد بمشاريع صغيرة وكبيرة. تلك البلدان لم ترهم أحمالا تثقل الكواهل. بل حسبوهم إخوة. والإخوة لا يثقلون، ولكن حتاما تبقى الحال على ما هي عليه؟