مشمش العشاق
جفرا نيوز - يقلم رمزي الغزوي
دائماً ما كنت أرجو أن يأتي حزيران حنونا وادعا موشحاً بالندى، تجيش غيومه القطنية في صحن السماء وتصدُّ عنا سياط الشمس ولهيبها. وأحب هذا كي ينضج مشمشنا على مهل، بدلال وهدوء كامراة أطالت مكوثها في نافذة الحلم.
لكن غالبا ما يأتي حزيران حارا وأحيانا حارقاً فمنذ زمن قال أجدادنا: (حزيران طبّاخ المشمش)، ففيه تشتد حرارة الشمس ويحتد صهيدها، كي تطبخ لنا المشمش وتحيله إلى كرات ذهبية لذة للآكلين والناظرين. وفي بعض السنوات فإن الشمس ومن شدة حرها تنضج مشمشنا سريعاً ودفعة واحدة، ولا تمنحنا الوقت لنفكر بغيره. ولهذا قولوا عن كل الأشياء السريعة الواجب اقتناصها والتشبث بكل لحظة من لحظاتها، بأنها جمعة مشمشية.
فيما مضى كنا نقول عن المشاريع والوعود التي لا ننوي إتمامها وننوي خنقها عن سبق إصرار وتلكؤ نقول: «في المشمش». وقد يكون أن هذا الأمر تسلل إلى ثقافتنا، لأن المشمش السريع الغياب المباغت جعل الذين يقطعون وعودهم بأنها ستكون في المشمش متوقعين ألا أحد سيلتفت لموعدهم حين يهل المشمش إذ سيكون منشغلاً بهذه الهبة الربانية سريعة الرحيل.
ومن بعد ذلك صرنا نختصر كل بحبوحة سريعة، بأنها جمعة مشمشية (أي أسبوع مشمشي)، على اعتبار أن المشمش ينضج دفعة واحدة، وينتهي بظرف أسبوع، ولكن هذه الجمعة المشمشية، قد تطول إلى ما يقرب السنة أو السنتين في المعدل، في عرف بعض المدراء أو رؤساء الشركات، الذين يدركون أن عليهم أن يستثمروا الفرصة ويهتبلوها كما ينبغي.
أما العشاق الملتاعون المحمّصون بلهيب الانتظار والترقب والشوق، والذين تمتعهم حتى الوعود الكاذبة، وتسليهم صغار الأماني، وتسري عنهم، فهؤلاء يعرفون أنهم (في المشمش)، وأنه مهما طال المشمش أو قصر، فلا بدل من رحيل سيطرق الباب. ولربما طال لنا في هذا الموسم مشمشنا الجميل، وأصبحنا في شهر مشمشي بحاله، إلا أن صوت الديك ما زال ينادي في بحة الفجر ويصيح: ها قد مرت من العمر ليلة وأنت لا تشعر بذلك ولا تدري.
العمر ليس إلا جمعة مشمشية أو على أبعد حد شهر مشمشي. فهل نقنص الهارب منا كحفنة رمل تفر من بين أصابع طفل يلهو على شاطئ رمل ناعم.