هذا ما يميز "السيف الدمشقي"!

جفرا نيوز - في جذور تاريخ كلّ شعب هناك ما ينهض شاهداً على تمايزه وعراقته وثباته في أرضه، وهكذا هي دمشق أقدم مدينة مأهولة بالسكان في التاريخ.

مدينة ضاربة في التاريخ، مؤثرة في صناعته عبر العصور،  فـ "دمشق الياسمين"،وصفها ياقوت الحموي (رحّالة جغرافي وأديب وشاعر وخطاط ولغوي، عربي الأصل ولد في مدينة حماة  1179 - ت. 1229))  بقوله: "ما وُصفت الجنّة بشيء، إلا وفي دمشق مثله".

حرفيات ذائعة الصيت

"أحضر لنا شيئاً من الشام"! جملة نسمعها منذ نعومة أظافرنا، فالحرفيات والصناعات الحرفية اليدوية والحلويات الشامية شهيرة و ذائعة الصيت عربياً وعالمياً.

وتعد صناعة السيوف الدمشقية إحدى هذه الصناعات النادرة، التي تنفرد بها العاصمة السورية على مدى قرون، وهي إذ تنحو نحو الندرة حالياً، إلاّ أن بعض الحرفيين ما زالوا مواظبين على صناعة هذا السيف الذهبي المرصّع.

وتجدر الإشارة إلى أن نصب السيف الدمشقي، هو  أحد أشهر معالم العاصمة السورية، وهو يقع ضمن ساحة الأمويين، ويعتبر أحد رموز المدينة، وشعار التلفزيون السوري سابقاً، و"معرض دمشق الدولي".

بدأ العمل على بناء النصب في عام 1958 وافتتح في عام 1960 بمناسبة افتتاح الدورة السابعة لـ "معرض دمشق الدولي".

وهنا تحضرنا أغنية "شام يا ذا السيف" للسيدة فيروز، التي تغنت فيها بعاصمة الياسمين، فأمست أيقونة الأغاني على امتداد العقود.

في ورشته الكائنة بمدينة جرمانا بريف دمشق الشرقي، يمكث الشاب السوري غانم جبيل، لساعات طويلة دون كلل أو ملل، ليصنع سيفاً دمشقياً مذهباً بنصله المصنوع من الفولاذ المرن أو ما يعرف بـ"نصلة جوهر"، ليكون في النهاية تحفة فنية عالية الجودة تقدم كهدية أو تذكار لأحد ما.

ويسعى الشاب الأربعيني إلى الإبقاء على صناعة السيف الدمشقي متألقة وحاضرة بين الصناعات اليدوية السورية التراثية المتوارثة عن الأجداد والآباء، بعد تعرضها لبعض الركود بسبب الأزمة التي عاشتها البلاد منذ عام 2011 والعقوبات الأميركية التي فرضت على سوريا.

سر الإبداع

اعتبر الشاب السوري جبيل، الذي توارث المهنة عن أبيه وأخوته، أن سبب نجاح أي حرفي يعود إلى حبه للمهنة وتعلقه بها، مؤكداً أنه لا يمكن لأي شخص أن يبدع فيها إن لم يكن يحبها.

وقال جبيل إن "أي شخص يريد أن يعمل في صناعة السيوف يجب أن يكون عاشقاً لهذه المهنة اليدوية، وأن يخلص لها، بالإضافة إلى امتلاكه رؤية فنية وجمالية وصبراً وطول بال، حتى يتمكن من الابداع فيها".

اقرأ أيضاً: دريد لحّام للميادين نت: نحتاج إلى "غوّار" في واقعنا وهذا ما أقوله لـ "القيصر" ترامب..
وما يميّز السيف الدمشقي هو الروح التي يتركها الصناع في تلك القطعة الفنية، والزخارف التي يبدعها الحرفي على غمد السيف الخارجي من نقوش ورسومات فنية رائعة.

ويحتاج السيف الواحد إلى 3 أيام كي يصبح جاهزاً، بينما وضع الزخارف على غمد السيف تستغرق وقتاً طويلاً، وتحتاج إلى دقة وصبر عاليين.

وقال جبيل "خلال الحرب على سوريا تعرضنا للكثير من الصعوبات والتحديات وكان نقص الوقود والغاز هو العائق الأهم لأنه لم يكن متوفراً بسبب العقوبات الأميركية إضافة لغياب السواح الذين يشترون هذا السيف كهدايا وتذكار".

وروى جبيل بكثير من الإسهاب عن مراحل صناعة السيف الدمشقي والتي تمر أولاً بهيكلة غمد السيف والمؤلف من قطعتين أو 3، ثم مرحلة تعرضه للحرارة العالية كي يتمكن الصانع من تشكيل الغمد بشكلٍ سهل.

وتأتي بعد ذلك مرحلة وضع الزخارف على الغمد بأشكال فنية مختلفة لتتعرض من جديد للحرارة ليتم تثبيت تلك الزخارف على الهيكل الخارجي، ثم يذهب بعد ذلك إلى "تلبيس" الغمد باللون الذهبي أو الفضي، حسب رغبة الزبون.

اقرأ أيضاً: رغم الأزمة ... مهن تنتعش في سوريا
وفي بقية المراحل، يتم وضع القبضة وتجهيز النصل المصنوع من الفولاذ المسمى (نصلة جوهر)، وهي سر دمشقي لا يعرفه إلا أهل الشام، وبعدها يتم وضع الأحجار الملونة عليه ليصبح بعد ذلك سيفاً جاهزاً للبيع أو العرض.

استقامة ورمزية
من جهته، قال الأستاذ الجامعي والباحث التاريخي الدكتور سليم بركات إن "ما يميز السيف الدمشقي هو استقامته، وهو يتميز بذلك عن باقي السيوف العربية بهذه الاستقامة".

وأشار الأستاذ الجامعي إلى أن رمزية السيف وأهميته جعلته رمزاً للعاصمة دمشق من خلال وضعه في ساحة الأمويين بوسط العاصمة.

"سر  غامض"؟

سميّ السيف الدمشقي "سيف الآلهة" فصناعته بقيت سراً لم تكشف إلا بعد مرور مئات السنين وتطور الكيمياء، وبعد القيام بالعديد من التجارب والتحاليل التي شغلت العلماء منذ القدم.

وبعد الدراسات تبيَّن أنها تحتوي على شرائط من جسيمات كربيد الحديد Fe3C، المعروف باسم سمنتيت "Cementite"، وهي عبارة عن جسيمات مستديرة الشكل ومُحكمة النسق، يتراوح قطرها ما بين 6 و9 ميكرونات، وتتباعد شرائط الجسيمات بعضها عن بعض بمقدار 30 إلى 70 ميكروناً، وهي مرصوفة بشكل موازٍ لسطح السيف، بما يشبه حبات قمح داخل لوح خشبي.

أما عند "معاملة السيف" بالحمض فتظهر الكربيدات على شكل شرائط بيضاء ضمن قالب فولاذي داكن اللون، وحلقات النمو المتموجة في شجرة تولِّد الأنماط الملتفة المميزة على الخشب المقطوع.

ومن ميزاته أنه كان يقطع قطعة حرير إذا وقعت عليه، وبحسب بعض الباحيثن  فإن فولاذه متين لدرجة أنه قادر على قطع الأشياء الأخرى المصنوعة من الفولاذ، وقادر على قطع الحجر.