السودان: «الجنرال» لم يستخدِم «قوة» مُميتَة.. ماذا لو فعل؟
جفرا نيوز - بقلم محمد خرّوب
في أحدث خطاب له بين جنوده..هدّد رئيس مجلس السيادة/قائد الجيش السوداني الجنرال عبدالفتاح البرهان, باستخدام «قوة مميتة» في مواجهة قوات الدعم السريع التي يقودها جنرال آخر هو محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتي», (والأخير جنرال ميليشاوِي ليس خريج كلية عسكرية او انتظم ذات يوم في صفوف جيش مُحترف). ما دفع للتساؤل عما اذا كان هناك في جعبة جيش البرهان, أسلحة غير تلك التي استخدمت منذ قرابة شهرين كالطائرات الحربية والدبابات والمدافع الثقيلة, في قتال عبثي لم يُسفر سوى عن إحداث المزيد من التمزّق والتصدّع في صفوف الشعب ال?وداني, الذي أرهقته مغامرات وفساد نظام الجنرال عمر البشير طوال ثلاثة عقود, كان من نتائجها - مِن بين نتائج كارثية أخرى - إنفصال الجنوب وتواصل التمرّد في اكثر من ولاية سودانية, فضلا عن إضعاف القوى المدنية وتشرذمها, وارتفاع المديونية وانهيار سعر صرف العملة الوطنية وتدهور الأوضاع المعيشية وشيوع الفقر والبطالة في أوساط الغالبية العظمى من السودانيين.
وإذا كان الجنرال البرهان زعم أن قواته «تخوض هذه المعركة دفاعاً عن شعبها «, مُتِجاهِلاً عن قصد ما لحق بالشعب السوداني منذ اندلاع الصراع على السلطة بينه وحميدتي, من كوارث ومعاناة, ليس أبرز تجلياتها لجوء أزيد من مليون ونصف المليون سوداني إلى دول الجوار، فقد كان لافتاً أنه لم يتطرّق إلى ما لحق بالبعثات الدبلوماسية في الخرطوم.. سفارات ومنازل سفراء, من انتهاك لأبسط القواعد والأعراف الدبلوماسية والقانونية والأخلاقية, على نحو ما لحق بمنزل السفير الأردني وغيره من سفراء دول عربية وأجنبية، فضلاً عن نهب أطنان من المسا?دات الغذائية والإنسانية, ما زاد من معاناة المدنيين واللاجئين حيث لا خدمات أو مرافق عامة وبخاصة المياه والكهرباء.
صحيح أن الذين سطوا على المساعدات الغذائية والإنسانية, كما الذين اعتدوا على السفارات ومنازل السفراء قد لا يكونوا من الجيش, كما يصعب وضع اللوم فقط على قوات الدعم السريع ذات الطابع الميليشياوي غير الخاضع للانضباط العسكري, نظراً لوجود عصابات وجماعات تحترف الإستفادة من حال الفلتان الأمني, التي تميز مناطق وساحات الحروب الأهلية، إلا أن قول الجنرال البرهان في كلمته الحماسية أمام جنوده امس الأول بأن «جميع المناطق والفِرق لا تزال مُحتفظة بكامل قواتها، بعد أن بسطت سيطرتها على جميع أنحاء البلاد»، تضع عليه المسؤولية في?ما آلت إليه الأوضاع في السودان وبخاصة في العاصمة الخرطوم. سواء تجاه مواطنيه الذين يدفعون ثمن الصراع على السلطة, أم خصوصاً تجاه البعثات الدبلوماسية خاصة أن كثيراً من السفارات قد أغلقت أبوابها, الأمر الذي لا يستلزم سوى توفير حراسة لتلك المقار والمنازل التي تتمتع بالحصانة.
ماذا عن «الهُدَنْ» التي لا يلتزمها الطرفان؟.
قال البرهان في كلمته التعبوية أمام جنوده: انه تمت الموافقة من قِبله على الهدنة بغرض تسهيل «انسياب» الخدمات للمواطنين, الذين أنهكتهم تعدّيات المُتمردين/الدعم السريع, وقد «نهبوا مُمتلكاتهم وانتهكوا حُرماتهم، وعذّبوهم وقتلوهم دون وازع أو ضمير».
ثمة ما يمكن مناقشته هنا سواء في شأن «الإنسياب المزعوم» الخدمات غير موجودة, منذ اندلاع الصراع في 15 نيسان الماضي, والمتواضعة بل الشحيحة قبل ذلك التاريخ، أم خصوصاً في شأن التناقض في خطاب البرهان, ما دامت قواته تسيطر على كل انحاء البلاد، فلماذا إذاً تتواصل الاشتباكات ويتم خرق «الهُدَنْ» التي يتم التوقيع عليها بوساطة سعودية – أميركية؟. ولماذا أيضاً لا يتم الإنتقال إلى مرحلة أخرى هي «التفاوض"على هدنة دائمة, تؤسس لحوار وطني بعد «استقرار» موازين القوى بين الطرفين– في ما يبدو – على نحو يصعب فيه أخذ أقوال/مزاعم الج?رال البرهان على محمل الجد, بأن قواته تبسط سيطرتها على جميع أنحاء البلاد. وإلا كيف يُهدد باستخدام «قوة مميتة» إذا كانت الحال ميدانياً كما يَدّعي؟.
ماذا عن «الكيزان»؟.
في كلمته الحماسية الثلاثاء الماضي: دعا الجنرال البرهان الشعب السوداني, إلى عدم الالتفات إلى ما يبثّه «إعلام الميليشيا المتمردة» (يقصد الدعم السريع) ساخراً من إدعاءاتهم بأن حربهم هذه ضد «الكيزان", مُتسائِلاً أين هُم الكيزان (وهو هنا يقصد أنصار نظام البشير) بين هؤلاء الجنود؟.
ما قاله البرهان لم يُجب عن الإتهامات التي لم تتوقّف, بأن أنصار البشير داخل الجيش السوداني كما خارجه, هم الذين أسهموا بدور كبير في إشعال الحرب الدائرة الآن. فضلاً عن الشكوك والتساؤلات التي لم تجد جواباً عليها حتى الآن, يُلخصها السؤال التالي: أين هو الديكتاتور عمر البشير ورهط قادة ورموز حزبه ونظامه الفاسديْن, الذين كانوا نزلاء السجون قبيل اندلاع المواجهات الراهنة؟.