عيوب تشوب معايير تقييم أداء رؤساء الجامعات الرسمية

جفرا نيوز - بقلم الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة

قبل أيام صدر قرار مجلس التعليم العالي بإعفاء ثلاث رؤساء جامعات رسمية من مهامهم ،وذلك في ضوء نتائج تقييم أدائهم الذي تم إجراءه ومراجعته من قبل لجنة عليا مكلفة بهذا الخصوص.ويتساءل المرء هنا عما إذا كان الرؤساء الذين تم إعفائهم هم فعلا الأضعف في أدائهم، وكذلك فيما إذا كان الرؤساء الذين بقوا في رئاساتهم هم الأفضل أداءا .

بغض النظر عن الإثارة والأقاويل والإشاعات التي ترافق عملية التقييم ونتائجها والإعفاء للرؤساء ،فإننا دواعي الموضوعية تقتضي أن لا نسارع الى ربط نتائج التقييم مع مواقفنا الشخصية وعلاقاتنا الخاصة مع هذا الرئيس أو ذاك.

تقييم الأداء وكمل يدل المصطلح سواء لرئيس الجامعة أو لأي شاغل وظيفة ينبغي أن يستند إلى أداء الشخص وما يقوم بها ،وما يمتلكه من قدرات ،وما ينجزه على الأرض.وعليه فإن معايير التقييم وأسسه ومؤشراته تكتسب أهمية خاصة حيث ينبغي ان تكون مشتقة من طبيعة المهام والواجبات المناطة برئيس الجامعة أو غيره من شاغلي المواقع القيادية في مؤسساستنا الأكاديمية والإدارية. ونؤكد في هذا الصدد أنه في ضوء حال الضبابية والغموض أو ابتعاد المعايير عن قياس ما ينبغي قياسه فإن هذه المعايير تفتقد الى المصداقية (Lack of Validity) وبالتالي فلا يتوقع منها ان تفرز بأي حال من الأحوال تقييم صادق لأداء رئيس الجامعة أو نوابه أو عمداء الكليات.

إن أي مراجع منصف لمعايير تقييم أداء رؤساء الجامعات الرسمية يلاحظ بأن جل هذه المعايير هي ليست تحت سيطرة رئيس الجامعة ، وان قدرته على التأثير في كثير من الجوانب محل التقييم تتراوح بين معدومة الى ضئيلة. 

وتتضمن معايير تقييم رؤساء الجامعات اربعة عشر معيارا وتشمل سير الجامعة نحو العالمية ،والتدريس،ولإعتماد وضمان الجودة،والبحث العلمي،والتطوير والدراسات العليا،والموارد البشرية،والامور المالية وضبط النفقات،والادارة والإجراءات الادارية،والبنية التحتية،والبيئة الجامعية ،والحاكمية،وتنمية المجتمع،والالتزام بقرارات مجلس التعليم العالي .والحقيقة ان رؤساء الجامعات محل التقييم فاقدين للسيطرة على ابرز هذه العوامل والمعايير الا وهو الجانب المالي.، فالجانب المالي هو المحرك الأهم والأبرز في قضايا البنية التحتية والإستثمار وضمان الجودة وحوافز الكوادر الإدارية والأكاديمية،وتوفر المعدات والمختبرات وإدامتها، والإبتعاث، ووجود حوافز حقيقية للبحث العلمي وما تتضمنه من دعم المؤتمرات ومشاركة اعضاء هيئة التدريس في الملتقيات العالمية الخارجية.

لا اعلم كيف يمكن تقييم أداء رؤساء جامعات في مجال البنية التحتية إذا كانت جامعاتهم منشأة حديثا وتحتاج الى ملايين الدنانير لإنشاء مباني ومختبرات وبنية تحتية متكاملة! من أين يأتي المال لهؤلاء الرؤساء ليتم تقييم أدائهم في ضوء هذا المعيار! أما من حيث الاستثمار فلا أعرف كيف يمكن أن يستوي هذا المعيار في غياب القدرات والإمكانات المالية لدفع الرواتب الشهرية للعاملين في الجامعات !ولا اعلم كيف يمكن أن تستوي هذه المعايير بفقدان رؤساء الجامعات السيطرة على قبول الطلبة وعلى إيرادات الجامعة "الدفترية" من الطلبة المبتعثين من قبل الجهات الرسمية والتي لا تدفع رسومهم او/و تماطل في دفعها مما يضطر الجامعات للإستدانة من البنوك مقابل الفوائد العالية مما يغرق الجامعات بمديونية متراكمة.أما بالنسبة لمعيار الحاكمية في الجامعة فهي محكومة بقوانين التعليم العالي وأنظمته وتشريعاته ودور رئيس الجامعة متواضع في هذا المجال إذ أنه يتأثر بعوامل واعتبارات تقديرية وشخصية كما وتتأثر برؤى جهات خارجية معروفة ويصعب إخضاعها لمسطرة التقييم.

إن الشخصية الاعتبارية وما يترتب عليها من استقلال مالي وإداري للجامعات هي صورية ولا تصمد أمام الواقع وبالتالي فإن تقييم رؤساء الجامعات استنادا للمعايير الواردة أعلاه هو تقييم ليس موضوعيا ولا تعكس نتائجه واقع الأداء الفعلي لهؤلاء الرؤساء وذلك انسجاما مع القاعدة العامة التي مفادها أن ما يبنى على الخطأ فهو خطأ ونتائجه لا يعتد بها.معايير تقييم أداء رؤساء الجامعات يمكن أن تصلح ولو نسبيا للجامعات الخاصة حيث سلطاتها بيدها ،واستثماراتها من اموالها، وقراراتها من صنعها. في ضوء ذلك فإن خروج بعض الرؤساء ودخول آخرين لا يرتبط باعتبارات ومعايير تقييم أداء رؤساء الجامعات السالفة الذكر وإن هذه المعايير غير الموضوعية وتستخدم لإقصاء أو إبقاء رؤساء الجامعات في ضوء اعتبارات نجهلها أو أفضل ما يقال بها اعتبارات غير معلتة.

نحن لا ندافع عن احد ولكن نقول أن من خرج من رؤساء الجامعات ليسوا هم الأقل كفاءة ولا من بقي منهم هم الأفضل أداءا .ان مراجعة هذه المعايير وتصويبها وربطها بالمجالات والجوانب التي هي فعلا تحت سيطرة وتأثير رؤساء الجامعات، واستبعاد المؤثرات والتدخلات الخارجية سواء من التعليم العالي أو غيره يشكل الأساس لتقييم موضوعي صادق لأداء رؤساء الجامعات فهل من مذكر؟.