المنطقة و عدم الانحياز المتعدد

جفرا نيوز - بقلم عمر عليمات

 لم يعد خافياً على أي متابع أن الحراك السياسي الذي تشهده المنطقة حراك تقوده المصالح الخالصة للدول، إذ من الواضح تماماً أن الأولويات تغيرت، والتوجهات أصبحت أكثر ميلاً نحو المصالح الوطنية الأساسية دون الأخذ في الاعتبار عناوين كانت رئيسية للسياسة العربية لفترة طويلة.

في السنوات الخمس الأخيرة شهدت منطقتنا إعادة ضبط لسياسة العديد من الدول، سواء ذات الثقل الاقتصادي أو العسكري، حيث رأينا كيف تحولت دول من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين في علاقاتها الثنائية، فمن كان عدواً لدوداً أصبح صديقاً وشريكاً استراتيجياً، وفي ذات الوقت تراجعت قضايا وملفات كانت تمثل عنواناً رئيسياً إلى ملفات ثانوية ليس لها أي تأثير في توجه الدول ومواقفها السياسية.

اليوم باتت مصالح كل دولة هي المعيار الوحيد لتقييم العلاقات بين الدول، وهي التي توجه سياساتها الخارجية وتحدد قراراتها ومواقفها، ولعل التعامل مع دول مثل تركيا وإيران وإسرائيل على الساحة الإقليمية ودول مثل الصين والهند وروسيا على الساحة الدولية، يوضح بشكل جلي مدى تغير السياسة الخارجية الإقليمية، والتي يطلق عليها مسمى «سياسة عدم الانحياز المتعدد»، بحيث تقف على مسافة واحدة من مختلف القضايا، لتبقى مصالحها هي العامل الرئيسي في مدى قُربها أو بُعدها عن هذه القضايا.

ولعل من اللافت أن الدول التي أعادت صياغة توجهاتها الخارجية بناء على أولوياتها الجديدة ومصالحها الخالصة، عملت على إشراك الرأي العام لديها في هذا التوجه، من خلال ترسيخ لغة الشعور الوطني الخالص، وأن مصلحة البلد هي الأساس، وأن التقدم الاقتصادي والاجتماعي يتفوق على أي قضايا أخرى، بحيث أصبحت هذه الدول تتكئ على رأي عام داعم ومساند لها في هذه التوجهات، وتجنب أي ضغوط شعبية في حال الاستدارة الكاملة في مواقف الدولة إزاء أي قضية مهما كانت أهمية في الوجدان الشعبي.

أردنياً علينا أن نقرأ المشهد الجيوسياسي في المنطقة على هذا النحو، فلغة المصالح المتبادلة هي التي تحدد التوجهات والشراكات، وما عدا ذلك ليس أكثر من شعارات و»كلشيهات» عفا عليها الزمن، ولم تعُد تشكل ثقلاً وليس لها تأثير في الحالة الراهنة للعلاقات الدولية والتفاعلات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، وهذا ما يدعو إلى إعادة قراءة المشهد واتخاذ القرارات السياسية والاستراتيجية لتحديد الفرص والتحديات التي يمكن أن نواجهها.

كل هذا يقودنا إلى إشكالية واضحة لدينا وهي أن توجهاتنا السياسية ما زالت محكومة بعدد من القيود المرتبطة بقضايا واهتمامات أخرى، وهذا ما يقلص ما هامش المناورة السياسية، ويضعف من قدرتنا على الاستفادة من الفرص المتاحة، ناهيك عن بعض القضايا التي ما زالت تشكل عصباً حساساً يشكل الاقتراب منه أزمة حقيقية في المجتمع المحلي.

ما نريد أن نقوله لا يتعلق بانسلاخ الدولة عن ثوابتها، ولكن واقع الحال يتطلب منا السير ضمن نهج واقعي ومنطقي يضمن مصالحنا الحالية والمستقبلية، فالأرواق التي كانت تشكل يوماً أوراقاً مهمة نستطيع وضعها على الطاولة لم تعُد بتلك الأهمية، فلغة المصالح المتبادلة ومدى الاستفادة الاقتصادية هي الورقة الرابحة اليوم، وما عدا ذلك لا يزيد عن كونه نثر الكلام في يوم عاصف.