الحياد التكنولوجي
جفرا نيوز - بقلم لارا علي العتوم
لم تكن التكنولوجيا يوماً من المعطيات المحايدة التي يمكن ان تنتقل من مكان لاخر او من بلد لاخر، مع احتفاظها بكل خصائصها وامكاناتها وانما تتحدد التكنولوجيا بمجموع ظروف البلد التي تبتدعها وبالاحتياجات والاهداف التي تتوخاها المؤسسات الاقتصادية التي تستخدمها.
ففي البلاد الصناعية المتقدمة حيث الايدي العاملة مرتفعة الاجر تتجه المستحدثات التكنولوجية الى استخدام أقل عدد ممكن من الايدي العاملة مع زيادة رأس المال الثابت المستثمر بحيث يصبح واضحاً ان استيراد هذه المستحدثات التكنولوجية من طرف البلاد التي تعاني من نسبة بطالة عالية ومن ضعف القدرة على توفير الاستثمارات الرأسمالية الكافية التي يترتب عليها نتائج غير مواتية حيث تساعد على زيادة نسبة البطالة وزيادة اعباء الديون الخارجية لذلك فمن غير الصحيح اعتبار أن استخدام او توظيف الايدي العاملة في البلدان او المناطق التي تعاني من ارتفاع البطالة بأنها متأخرة صناعياً او تقليدية، بل على العكس ففي العديد من المناطق او البلدان التي ترتفع فيها الايدي العاملة في المصانع تنتج حيث تنتج الايدي العاملة فيها منتجاً حائزا على الامتياز وحسب استخدام آلية عمل معينة يكون انتاجها وفيراً وكافياً للاستخدام المحلي او التصدير.
الاختبارات التكنولوجية محكومة بالاستفادة الكبيرة من الموارد الطبيعية المتاحة فمن البديهي ان الموارد الطبيعية المتاحة في بلد معين ليست هي الموارد الكبيرى او العظمى بالنسبة للبلاد المستوردة للتكنولوجيا او لعدد كبير منها، وهكذا يمكن ان تتعارض التكنولوجيا المستوردة مع مصلحة هذه البلاد في الاستفادة من ثرواتها الطبيعية الخاصة وتخفيف اعباء الاعتماد على الخارج للتزود بالمواد الضرورية والمنتجات الوسيطة اللازمة لصناعة معينة، ومن الامثلة الهامة على ذلك ان تكنولوجيا صناعة الفولاذ التي ولدت وتطورت في بلاد اوروبا الغربية تقوم على استخدام الفحم في اختزال خام الحديد، بينما في بلاد عديدة نامية او مستورة للتكنولوجيا لا تملك موارد طبيعية للفحم وتملك موارد الغاز الطبيعي تستورد الفحم اللازم من الخارج وتهمل استخدام مواردها الخاصة من الغاز الطبيعي.
وليس هذا الا مثال واحد نجده في الكثير من الصناعات بحيث توضح مصادر التشويه او العراقيل التي تعترض طريق التصنيع في العديد من البلدان،حيث اتجهت الافكار الى محاولة البحث عن نمط خاص من التكنولوجيا المتكيفة مع ظروف البلاد المستوردة لها حيث تستوعب اكبر عدد ممكن من الايدي العاملة مع مراعاة الاستفادة الكبيرة من الموارد الطبيعية على الخريطة الاقتصادية بما يستلزم اقل قدر ممكن من الاستثمارات الرأسمالية إلا أن رغم نجاح هذا الاتجاه في بعض البلدان لا انه لم يكن مثمرا في العديد من البلدان، بسبب التكاليف المباشرة وغير المباشرة التي تتحملها اقتصاديات البلد المستوردة للتكنولوجيا واثرها في ميزان المدفوعات وعلى مصير ملكية المنشآت الصناعية والاهم قدرتها على اصدار القرارات المصيرية التي تخص نمو مسيرتها الاقتصادية بجانب العوائق المفروضة على تسويق المنتج.
على كل حال فأيا كانت العوامل التي تم أخذها بعين الاعتبار عند استيراد التكنولوجيا فإن النتائج او الاهداف المتمناه جراء هذا النوع من الاستيراد لم يتحقق حيث كان من المستحيل تبسيط مشكلات نقل المعارف والخبرة التكنولوجية واختزالها الى مجرد محاولة الاستفادة من الموارد المتاحة.
حمى الله الاردن