الطلبة يحبون فهمي جدعان

جفرا نيوز - بقلم د. مهند مبيضين

كان الأستاذ الدكتور فهمي جدعان، الفيلسوف وصاحب سؤال التقدم العربي، عميدا لكلية الآداب في الجامعة الأردنية وعميدا في اكثر من جامعة عربية، وصاحب رؤية كبيرة وثاقبة وعابرة، ولديه جهود علمية فذة وسيرة محترمة، ومذكرات دون بها محطات مهمة من حياته وأزمنته المتعددة العطاء، وقد اطلق على سيرته اسم طائر التمّ، وهو يكتب بلغة جميلة واضحة ولطيفة.

يختار الدكتور جدعان الكتابة على ورق معين، خاص به، اينما كان مسافرا يحرص على ان يكون معه، ويشتريه من مكتبة بوسط البلد في عمان، وله اقلامه الخاصة.

تزاملت معه في تجربة التدريس في معهد الدوحة للدراسات العليا في العام الدراسي 2017-2018، وقد كانت رفقة معرفية ثرية ومهمة، وكان حينها يُدرّس مادة الفلسفة الإسلامية ويُحضّر لمقال عن مفهوم التجديد لجهة علمية كويتية.

كنت عام 2006 نشرت مراجعة علمية لكافة اعماله العلمية في مجلة المجلة اللندنية، بحدود سبعة آلاف كلمة، وفي الدوحة اعاد الصديق معن البياري عام 2017 الطلب بأن اكتب عن جدعان مقالة مطولة لصحيفة العربي الجديد حين دعي الاستاذ جدعان للمؤتمر السنوي للدراسات الاجتماعية الذي يعقده المركز العربي للابحاث والسياسات في الدوحة.

مساهمات جدعان العملية كثيرة ومتعددة، لكنه ترك بموازاتها، محبة كبيرة وعامة بين طلبته (هذا ما حدثني به عنه معين الطاهر وزهير توفيق وموسى برهومه وتوفيق شومر وغيرهم في لقاءات مختلفة)، فللرجل اسلوبية وتقنية خاصة في التعليم والكتابة والمنشورات العلمية، وله رأيه الخاص بفكرة التقدم والتجديد العربي. كما أن ذلك لا ينبغي له ان ينسينا رأيه المهم في الوهابية والاعتزال، والعلاقة بينهما في مسألة التوحيد.

ومن المهم الإشارة لآرائه االجدلية في مصير الفلسلفة وفي الإسلام السياسي حيث يرى أن الإسلام السياسي «في رأيي «بدعة» إيديولوجية حديثة، ونَسجٌ على منوال الأحزاب السياسية الحديثة. وهو في اعتقادي انحراف صريح عن غائية الإسلام الحقيقية التي هي غائية أخلاقية حضارية، لا حركة سياسية مكيافيلية تطلب السلطة والغلبة والإقصاء للمختلف..» وأمام هذا الرفض لاختطاف الإسلام من فئة معينة فهو يدعو للعودة إلى « الإسلام الاصلي وهو اسلام العدل والرحمة والمصلحة، اسلام المقاصد وليس اسلام الفقهاء..».

وأمّا السلفية فيجد أنها قسمة لانواع هي: سلفية تاريخية (سلفية الجيل الأول) وسلفية مُحدثة (سلفية الإصلاحيين) وسلفية متعالية والتي مهدت للسلفية الجهادية، وله بحث ورأي في النسويّة العربية وآراء كثيرة في التراث وفي النهضة وهو ما يصعب حصره هنا.

جدعان هو من أهم منجزات الفكر والمؤسسة العلمية في الأردن، طبعا هذا ليس لحصره بالأردن بل للرجل صنعته الخاص بتشكيل سيرته، إذ تخرج من السوربون عام 1968 والتحق مباشرة بالجامعة الاردنية، فعلم وتعلم فيها، وسافر منها للكويت ثم ساهم بـتأسيس جامعة البنات الأردنية/ لاحقاً البتراء، ثم ذهب لسلطنة عمان، كما عين عضوا في مجلس إدارة معهد العالم العربي في باريس، وله مودات وصداقات وحضور عربي وغربي كبير عند من رسخت اقدامهم في العلم، وهو صاحب رأي ومدافع عنيد عن مسألة الكرامة الانسانية.

مركزية جدعان، كداعية تجديد عربي، ومثير لقضايا طافت في الفكر العربي، أنه مارس عمل الطبيب بتشخيص علل الفكر العربي ومسألة التقدم والعلاقة مع الغرب، والصراع على الإسلام، والتمترس العربي بالعودة للماضي ورومانسية التاريخ والتراث، وظلّ وفيا للعقل الفلسفي النقدي، وهو اليوم من اهم فلاسفة العرب المعاصرين او في مقدمة القائمة ورأس الحكمة فيهم.

ليس جدعان مجرد استاذ عابر في الجامعة الاردنية، (يجب قراءة مذكراته طائر التم) بل هو عقل علمي عابر للمشهد العربي، وله حضوره ومساره المعرفي، وشخصيته المستقلة، وهو يحضر عند الطلبة بحب وتذكر جميل ولطف في التعامل معهم، وهم يقدرون كراهيته للتقليد ويحبون اصراره لبحث مسائل التجديد والنهضة.

كان بوسعه ان يتملك اسهما في جامعة خاصة، فقد عاصر تفتق ولادتها في الأردن، وكان بوسعه ان يجتاز كل العتبات للوصول للطوابق العليا عند اهل السياسة في الأردن، لكنه ظلّ وفيّا لقاعة الدرس الجامعي، محترما لعلميّته وموقعه الفكري كمثقف وأستاذ جامعي كبير.