معالجة العرض في العنف الجامعي
جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي
نسأل الله أن يثبت رئاسة الجامعة الهاشمية على قرارها بفصل 42 طالباً على خلفية مشاجرة بين مجموعتين على أبواب الجامعة وحول أسوارها. نسأل لها التثبيت والعناد في الحق لأن عشرات الواسطات الجديدة، والرجاوات، وقضب الخواطر، وجر العباءات، ستتآزر من جديد ضاغطة لشطب هذه العقوبة وإلغائها أو تخفيفها، كما في السيناريو المعروف والموصوف منذ زمن في كل جامعاتنا، وهو الأمر الذي فاقم ظاهرة العنف الجامعي.
فأي طالب يشعر أن وراءه من ينافح ويكافح ويدافع عنه، ومن يشطب العقوبة إذا وقعت عليه، والذي يعلم علم اليقين أن له ظهراً يسنده ويعضده ويحميه، هذا الطالب لا بد له أن يتمادى في الغي والطيش ويمارس شغبه وعنفه بكل أريحية، فمن يأمن العقاب يسيء الأدب.
بعد كل الذي يحدث نخشى أن يأتي حين من الدهر لا نذكر فيه خبر مشاجرة جامعية، أو نراها لا تستحق مقالاً أو تحليلاً عابراً، ليس لأنها غير مؤلمة، ولا تضرب في نخاع العظم، بل لأنه تفاقمت وشاعت في جامعاتنا حتى باتت عادية جداً ومملة. وأخال هذا اليوم بات قريباً، بعد أن صارت لا تنتهي مشاجرة إلا وبزغت أخرى.
عن قرب نسمع أن فتائل اشتعال المشاجرات تتلخص في جريمة أن فلان (جحرني)، أي نظر إلي نظرة بنصف عين، أو أنه (طل) على بنت ابن ابن عم زوج خالتي، أو أن أولاد عمه تحركشوا بابن جارتنا في مجمع الباصات. ثم يتم التجييش على نظام الفزعة الخاص بالمشاجرات، المبني على مبدأ أن عليك أن تهاوش وتقاتل وتكسر رأس واحد من الناس لم تره في حياتك حتى دون أن تعرف سبب الطوشة أو منتهى جذرها.
أرى أن المشكلة ليست في كل هذا، على أهميته، بل تكمن المشكلة في العقل المدجج بثقافة رجعية تحمل جرثومة التعصب القبلي والجهوي والمناطقي والإقليمي والعنصري. ثقافة لم يغيرها الهاتف الذكي الذي لا يفارق أيادينا لكنه لم يغيرنا ولم يستطع تنظيف رؤوسنا من رغام الأشياء وسخامها.
بالطبع حين أتناول هذه القضية فأنا لا أعمم، ولا أخلط الحابل بالنابل، بل أعرف وأعايش طلابا نفاخر بهم الدنيا بدماثة أخلاقهم، وحبهم لجامعتهم ودراستهم ولزملائهم ولبلدهم، ولكننا نضطر أن نكتب في هكذا موضوعات مخجلة؛ لنبرز القضية للقائمين على جامعاتنا، فينبروا لمعالجة المرض من جرثومته الأولى، فقد سئمنا من غباء معالجة العرض دون المرض.
فمتى ندرك أن الجامعة ليست كتاباً ومحاضرات وامتحانات ولا عد أيام ودفع أقساط، أو عرض أزياء وهواتف نقالة تواكب العصر. الجامعة حياة متكاملة بذاتها وكيانها ووجدانها، وأرى أن مدخلنا لمعالجة آفة تأبى أن تخنس يكمن في الارتقاء بعقلية طلابنا، عن طريق المسرح والموسيقى والفن والرياضة والمطالعة والسينما وسائر النشاطات التي نسميها جزافاً بالنشاطات اللامنهجية، بالطبع دون أن نفرّط بالجانب الأكاديمي.
الطالب الجامعي الذي يشعر بأنه ممتلئ ومكتنز بجواهر الأشياء وثمينها كصندوق اللؤلؤ، لن يكون في نفسه متسع لسفاسف الأمور وصغيرها وحقيرها، أما صندوق التراب فلن يتسع لا للجواهر ولا للآلئ، بل سيمتص خبائث الأمور، وسيبقى في رأسه فقط أن (يطخ) زميله لأنه جحره أو طلّ عليه بنص عين.