السودان بين فكي كماشة
جفرا نيوز - كتب : حمادة فراعنة
ليس صدفة أن قضية السودان ووجعه لا يحظى بالعطف والانحياز العربي المعلن، باستثناء بعض الأحزاب والحركات الشعبية في هذا البلد العربي أو ذاك، مع أن السودان يشغل مكانة رفيعة في ضمائر العرب، كل العرب، منذ لاءات الخرطوم الثلاثة وحكمة المحجوب القائد السوداني، في مواجهة هزيمة حزيران وإذلالها أمام توسع المستعمرة واحتلالها المزيد من أراضي العرب لفلسطين والأردن وسوريا ولبنان ومصر عام 1967.
شعب السودان يحمل المعاناة ودفع ثمن سيطرة العسكر ومبادراتهم الانقلابية سواء في فشل 17 مرة منذ الاستقلال عام 1956، أو نجاحهم في الانقلاب والسيطرة لمبادرات إبراهيم عبود وجعفر نميري وعمر البشير، وشغل ثلاثتهم اكثر من نصف قرن لسلطاتهم المنفردة.
وها هما الجنرالان عبدالفتاح برهان ومحمد حمدان دقلو حميدتي يتفقان على الانقضاض على رئيسهم السابق عمر البشير، ويدفع ثمن خياراته في عدم الاستجابة المباشرة لصوت الانتفاضة الشعبية من ذاته، فتتم إقالته واعتقاله ممن صنعهما، استجابة للانتفاضة الشعبية والقرار الأميركي.
الجنرال عبدالفتاح البرهان قائد الجيش تولى السلطة بفعل مكانته داخل المؤسسة العسكرية، أما الجنرال حميدتي فقد صنعه عمر البشير بناءً على خبرة أمنية اكتسبها من تجربة إيران بوجود مؤسستين: 1- الجيش الإيراني، 2- الحرس الثوري الإيراني، وهكذا فعل عمر البشير في السودان بصنع مؤسستين كي تحول أي منهما الانقلاب ضده، فشكل قوات التدخل والردع السريع، كي توازي الجيش، وتقوم بمهام ردع الاحتجاجات الشعبية أو المسلحة في مناطق الاشتباكات الساخنة، من دارفور وغيرها.
اتفق الجنرالان على إقالة البشير، وتقاسما السلطة رئيساً للمجلس العسكري الحاكم ونائباً للرئيس، وتضاربت الرؤى والمصالح والتطلعات، فتصادما ووقعت الكارثة التي يدفع ثمنها شعب السودان.
أغلبية شعوب العرب، تتعاطف مع شعبها الشقيق في السودان، سواء كانوا عرباً أو أفارقة، مسلمين أو مسيحيين، سمراً أو
سوداً، فالإنسان السوداني، سوداني الوطن والقضية والانتماء وإن تعددت الألوان واللهجات والمواقف، هكذا يجب معاملة السودان كما يستحق من التقدير والأخوة والشراكة وحُسن الجوار، ولكن لا أحد يقف مع السودان، أو مع طرف ضد طرف، لأكثر من سبب:
أولاً أن كليهما من العسكر، ومعركتهما صراع على السلطة، أو هكذا هي انطباعات العرب، ولم تصل أي رسالة سودانية بديلا عن هذا الانطباع أو تنفيه.
ثانياً أن كليهما تربطه العلاقة مع الولايات المتحدة.
ثالثاً أن كليهما تربطه العلاقة مع المستعمرة الإسرائيلية منذ الاتفاق الإبراهيمي، رغم فشل كل الرهانات العربية منذ كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو لتحقيق التوازن، أو استعادة الأراضي بكرامة، أو إنهاء تطلعات التوسع الاستعماري للمشروع العبري الإسرائيلي اليهودي، فالسودان بهذا المعنى مثل ذاك الذي ذهب إلى الحج والناس راجعة.
رابعاً لقد اختلفوا على خلفية التنازل عن السلطة لصالح المدنيين والأحزاب السياسية، مما جعلهما في واد، والقوى السياسية السودانية في واد آخر، وانعكس ذلك على موقف القوى السياسية العربية.
واجبنا أن نكون مع السودان، تضامناً وانحيازاً وتفهماً، على الأقل بالقضايا الإنسانية من علاج وأدوية وغذاء، والنداء الذي وجهه سفير السودان حسن سوار الذهب في الأردن ومطالبته بتوفير مستشفى ميداني، وفريق طبي، وتوفير الأدوية ونقل الجرحى مطالب محقة ضرورية يجب أن تُلبى من بلد الأردنيين ومن شعب يحب السودان والسودانيين.