بعد 75 سنة.. دولة على الحافة

جفرا نيوز - بقلم رجا طلب

بعد 75 سنة على انشاء دولة الاحتلال، اخذ هذا الكيان يعيش حقيقته الوجودية الصادمة والمتمثلة بانه كيان مصطنع لا يمكن أن يرقى إلى مفهوم الوطن وان حاول بُناته الاوائل «صناعة وطن وصناعة شعب» من خلال صناعة دولة، واليوم وهو في عز احتفالاته بالذكرى 75 لاغتصاب الارض الفلسطينية التى تقام عليها دولته بدأ يكتشف طبيعة التناقضات العميقة التى نمت وتنمو في احشائه ووصلت حدا لا يمكن الا ان تفرض وجودها على شكل وبنية ومستقبل هذا الكيان.

من أبرز النتائج التى بات يلمسها من يسمون انفسهم بمواطني هذا الكيان انهم يفتقدون لهوية واحدة تجمعهم، وان 75 عاما لم تنجح في اذابتهم وانتاجهم كشعب واحد بتاريخ حقيقي وقواسم ثقافية واحدة مشتركة، والاهم بطموحات مستقبلية واحدة مثل كل شعوب الارض، وعلى العكس من ذلك فقد اكتشفوا انهم مجرد مجاميع مختلطة من أعراق وقوميات مختلفة تعيش تجربة التعايش معا، وتوحدهم شهوة السيطرة على الأرض التى استولوا عليها والمكاسب التى تحققت لهم وتحديدا تلك الموجات من الهجرة التي جاءت من الاتحاد السوفياتي السابق ودول اوروبا الشرقية بعد الح?ب العالمية الثانية هربا من الجوع والفقر والمرض والقتل.

يعترف سكان دولة الاحتلال أنفسهم وسياسيوه ومفكروه بشكل خاص بانهم يعيشون اليوم وفي ظل التناقض الكبير بين التيار العلماني الصهيوني والتيار الديني الحريدي المتطرف، صراعا أشبه ما يكون بالوجودي وأن هذا الصراع بات يهدد مستقبل دولتهم وسينهي التعايش الهش الذي بني على أساس ايدولوجية «الخطر الخارجي»، والتي أخذت تتحول إلى أيدولوجية «الخطر الداخلي» الناجم عن الصراعات الدينية والفكرية والقيمية بين التيارين الأساسيين ونظرة وفهم كل منهما «للدولة» وللحرية والديمقراطية، ومن الملفت أن قادة اليمين العلماني المتطرف من أمثال نت?ياهو وبينت وغانتس عملوا ويعملوا على «إعادة إنتاج الخطر الخارجي» وذلك من أجل ترميم ما يمكن ترميمه من تصدعات في جدران «المجتمع الإسرائيلي» وإعادة إنتاج عقيدة «الخطر الدائم» والتي تستلزم رص الصفوف وتحييد الخلافات الداخلية قدر الامكان.

يعتبر نتنياهو أحد أهم العوامل التي سارعت في تفجير الصراع الداخلي في دولة الاحتلال من خلال ممارسته لسياسات غذت الفكر الصهيوني المتوحش ولا أقول المتطرف سواء أكان هذا الفكر دينيا أو علمانيا بسبب رغبته الجامحة في الإمساك بالسلطة عبر إضعاف اليسار الصهيوني والحلول السياسية الممكنة للقضية الفلسطينية واستخدام إيران وما يسمى بالإرهاب الإسلامي «فزاعات» ساهمت في تلك التغذية منذ عام 2009 إلى يومنا هذا، حيث نجحت تلك السياسات في تحويل اليمين المتطرف إلى يمين متوحش من الصعب السيطرة عليه او لجمه، وبات نتنياهو نفسه أسيرا ف? سجن هذا اليمين وعاجزا تماما أمامه وبدليل أن سبيله الوحيد للبقاء رئيسا للوزراء هو برضوخه الكامل لإرادة هذا اليمين.

وبناء على ما سبق أعتقد أن نتنياهو سيعمل على تصدير أزمته وأزمة كيانه عبر الخيارات التالية:

أولا: وهو الخيار الأسهل مع الأردن من خلال قضية النائب عماد العدوان وفي ظني أن كل قضية النائب العدوان مفبركة من قبل الاحتلال لابتزاز الدولة الأردنية.

الثاني: الاندفاع للمغامرة بعمليات واسعة النطاق ضد «حواضن» المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وتحديدا في جنين ونابلس والخليل وقد يقوم بذلك بالتزامن مع عمليات قصف شديدة على قطاع غزة.

ثالثا: الاقدام على عملية عسكرية كبرى ضد موقع او مواقع معينة داخل ايران لها علاقة بانتاج اسلحة او قنابل نووية على غرار عملية قصف مفاعل تموز العراقي عام 1981 او عملية واسعة وسريعة جنوبي لبنان لضرب مواقع الفصائل الفلسطينية.

بتقديري أن الخيار المثالي على المدى القريب والممكن هو الخيار الثاني وبالتوازي مع الخيار الاول غير أن حصيلة ذلك ستكون استمرار نتنياهو سجينا في معتقل اليمين المتوحش والذي لا يعير الحسابات السياسية أي قيمة تذكر.