الأدب السياسي الساخر (الأردن أنموذجا)

جفرا نيوز - كتبت - الدكتورة - الدكتورة حنين عبيدات


يقول الكاتب المصري الساخر جلال عامر :
تناقشني و أناقشك .
تجادلني و أجادلك .
وتحاورني و أحاورك .
لكن تختلف معي (أدبحك) .
جلال عامر وظف الأدب السياسي الساخر لإيصال الفكرة.

الأدب السياسي الساخر : هو أسلوب تعبيري عن فكرة أو موقف أو حدث بطريقة غير مباشرة و غير انشائية و لا يحمل فلسفة الكلمات و لا خيال المؤرخين و الكتاب بل هو صناعة واقع حياتي يحمل في طياته السياسة و المجتمع و الثقافة و تراكم خبرات و تجارب في كيفية النظر للشيء بواقعية و حقيقة ، و يعتبر كل تفصيل فيه مهم لأنه يصنع مباينة حقيقية للواقع و اختلاف في طريقة عرض المشكلة أو الفكرة أو الحدث ، فهو يحمل المعاني التي توصف الحالة أو توصل الفكرة بشكل يستسيغها المتلقي و يتقبلها ، و بنفس الوقت ترمي إلى ما يريد و ما يفكر بطريقة غير مباشرة أو طريقة فكاهية أو استهزائية بتفاصيل الواقع و عناصره و ما يتبعه ، إن كان سياسيا أو ثقافيا أو ما تصنعه السياسة و تلحق به المجتمعات تلقائيا.

و تاريخيا للأدب السياسي الساخر أدوات عديدة ، منها كتابة الروايات ، و المقالات و الشعر ، أو التعبير عن طريق أفلام السينما ، و التلفزيون ، و عرض المسرحيات و الفن التشكيلي و الكاريكاتير ، و الآن بعد ثورة التكنولوجيا أصبحت وسائل التواصل الإجتماعي وسيلة هامة للتعبير عن ما يجول في خاطر المواطن العربي بطريقة غير مباشرة أو بطريقة السخرية السياسية المضحكة.

و للأدب السياسي الساخر في بلادنا العربية و قع كبير و خصوصا في الأوقات التي تشتد فيها على الشعوب و تزداد الفجوة السياسية بينها و بين السلطة ، فيصبح الأدب السياسي أداة هامة لإيصال الفكرة أو التعبير عن ردة فعل عن حدث ما .

إن الوطن العربي مليء بالأحداث التي أجبرت الكتابة بأن تكون جزءا من الأدب السياسي الساخر ، فهناك روائيين عرب كتبوا في هذا النوع من الأدب ، مثل الكاتب المصري جلال عامر ، و كان للأديب السوري محمد الماغوط تاريخا مهما في ترسيخ الأدب السياسي الساخر من خلال المسرحيات التي كتبها و عرضها برفقة الممثلين ، نهاد قلعي و دريد لحام ، فكان لهذه المسرحيات نهضة كبيرة في الأدب السياسي الساخر ، كمسرحية ، كاسك يا وطن ، غربة ، ضيعة تشرين ، و شقائق النعمان .

و قد كان للأدب السياسي الساخر مكان في الشعر ، فقد كتب الشاعر المصري الشيخ إمام أشعارا كثيرة فيها سخرية من هزيمة حرب (1967) في فترة حكم الرئيس المصري أنور السادات حتى تم اعتقاله ، و كتب شاعر المنفى العراقي أحمد مطر أشعارا كثيرة مباشرة و أخرى فيها سخرية من الواقع السياسي العربي حتى نفته السلطات العربية إلى لندن ، و كان المسلسل السوري (مرايا) و الذي من بطولة ياسر العظمة قد جسد في مراياه بعضا من الواقع السياسي بطريقة ساخرة تقبلها الجميع و رسخت في أذهانهم ، حتى أن بعض المرايا قد عرضت و كأنها تحاكي الواقع السياسي و المجتمعي الحالي و كأن الأزمان متشابهة في الحالة السياسية و إن اختلفت الطرق.

أما الأردن ، فقد تمثل الأدب السياسي الساخر في مواطن عدة ، منها الروايات و المقالات و الفن التشكيلي و الكاريكاتير و المسرحيات ، و مواقع التواصل الإجتماعي حاليا تعد جزءا هاما للتعبير بسخرية عن أي حدث أو في إيصال فكرة .

فكان للأدب السياسي الساخر وقع هام في تجسيد الواقع السياسي من خلال المسرح ، كمسرحية (أهلا حكومة) من بطولة الفنان هشام يانس و الفنان نبيل صوالحة و الفنانة أمل الدباس ، و مسرحيات الفنان موسى حجازين (الآن فهمتكم ، هاي مواطن) .
و للأدب السياسي الساخر دور في بعض أشعار الشاعر المتمرد مصطفى وهبي التل( عرار) ، و كان مؤنس الرزاز يتفنن في تجسيد الواقع من خلال كتابة الروايات و المقالات التي لها طابع الكوميديا السوداء الساخرة ، فكتب رواية (قبعتان و رأس واحد) التي تجسد الصراعات السياسية في الأوطان .

وكان الرسم الكاريكاتيري أداة هامة للأدب السياسي الساخر في الأردن كشخصية أبو محجوب التي رسمها الفنان عماد حجاج وجسدها برسوم متحركة و عرضها على شاشات التلفاز و نشرت في الصحف و المجلات ، حتى رسخت في أذهان الأردنيين.

ومن أوائل الكتاب الساخرين في الأردن هو الكاتب محمد طملية و قد توفي في عام (2008) فقد كانت له زاوية خاصة للكتابة الساخرة في جريدة الدستور ، إذ قال في إحدى زواياه : (لو أتيح لك مستقبلا أن تجيء الى العالم مرة اخرى, هل ستسلك الطريق ذاته الوعرة؟

- بالطبع لا ، سأسلك طريقا أكثر وعورة ، الحافة تعجبني ،المطبات، الحفريات ، شواخص التحذير على الطرق ، الشوارع الترابية التي لم يعبث بها مهندسو وزارة الاشغال الحمقى، البيوت الطينية واطئة السقوف التي لم يتدخل بها معماريون) .
و كان الكاتب الساخر يوسف غيشان قد كتب كتابا بعنوان (لماذا تركت الحمار وحيدا) و الذي يحوي حكايات ساخرة عديدة عن الواقع المجتمعي و السياسي الأردني .

و من الكتاب الساخرين الموجودين الآن على الساحة الأردنية هو الكاتب الصحفي أحمد حسن الزعبي و الكاتب الساخر و ليد عليمات و غيرهما .
منذ ظهور وسائل التواصل الإجتماعي في العالم و في الأردن تحديدا ، أعطت الحق للمواطن في التعبير عن ما يجول في عقله من مشاكل و هموم و التعبير عن رأي أو إيصال فكرة أو ردة فعل على حدث ما ، و أداة لإيصال رسالة سياسية و مجتمعية لصناع القرار .
فقد حدثت أحداث كثيرة سياسية و ثقافية و مجتمعية في الأردن ، فكان لوسائل التواصل الإجتماعي دور في التعبير بسخرية عن هذه الأحداث احتجاجا عليها و على تفاصيلها و القائمين عليها ، و من هذه الأحداث :
في فترة أزمة فيروس كورونا ، إحدى الوزراء المكرمين قال الجملة التالية ( بنشف لحاله و بموت) فعلقت في أذهان الأردنيين و مازالوا يرددوها بسخرية على أي حدث أو موقف.

و تعليقا على حديث وزير سابق عن حق أزواج بناته في أن يصبحوا وزراء ، محتجا على تعيين إحدى الوزراء في حكومة دولة عمر الرزاز بقوله "( مبارح جبتوا وزراء من الشارع بلا تاريخ ) ، و مازال الأردنيين يستذكرون هذا الحدث و يرددوه و قتما كانت هناك مناسبة.

و يبقى الأردنيون يعلقون بسخرية على أي حدث اجتماعي أو سياسي وذلك احتجاجا على الواقع الذي صنع فجوات بين صناع القرار و الشعب ، و كأن هذا الأسلوب بات نهجا احتجاجيا يعبر عن عدم قناعة المواطن بما تفعله بعض الحكومات و بعض المسؤولين ،على أي مستوى و مجال كان .
و يبقى الأدب السياسي الساخر طريقة تخاطب الواقع وتواكب الأحداث بطريقة لغوية بسيطة و سهلة مفهومة لكل المواطنين و قادرة على إيصال الفكرة بطريقة هادفة ، و كنوع من الإحتجاج على واقع غير مرضي إلى حد ما .