جفرا نيوز - بقلم د. مهند مبيضين

يداوم ويواظب المؤرخ والمفكر الأردني علي محافظة على خدمة مشروع تطوير المناهج في الدراسات الاجتماعية والتي يقوم بها ويشرف عليها المركز الوطني للمناهج باستمرار، ويتابع أدق التفاصيل والحيثيات ويراجع النصوص سطراً سطراً، ويحثّ على تأمين الطالب بمقرر يشجع على مهارات التفكير وتطوير الأسئلة السابرة ورفض المباشرة منها، ودعم المعلم بمادة معرفية قابلة للتوسع في التعليم واظهار مهارات المعلم.

في المقابل يرى محافظة أننا لو أتينا بأفضل مناهج العالم، ولم يكن عندنا معلمون على درجة عالية من الكفاءة لفشلنا، فالأساس عنده هو المعلم، مهما كانت الببيئة المدرسية التي يُدرس بها.

لا ينقطع محافظة عن تزويد لجنة المراجعة العلمية وفريقها، بالمقالات ذات الصلة العلمية بما يتم مراجعته من مناهج جديدة، ويدفع إلى نبذ التقليد، والحفاظ على كل ما له صلة بقيم المجتمع وتشجيع الفكر الطلابي على النقد والمقارنة وامعان العقل في التحليل.

هي مهمة صعبة بكل تأكيد، بيدَ أنّ التربية واصلاحها مثلّت همّاً فكريّاً عند المفكرين العرب منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتّى اليوم، فقد قال ودعا إلى ذلك كلّ من رفاعة الطهطاوي وحسين المرصفي وعبدالرحمن الكواكبي وحسين الجسر ومنيف الرزاز ومحمد جواد رضا وعبدالله عبد الدائم وآخرين.

التعلم بمناهج عصرية مواكبة للتغيرات في الزمن المعرفي العالمي وتمكين المعلمين من افضل الوسائل العلمية والتقنية هو تحدٍّ كبير اليوم في زمن الذكاء الاصطناعي، فمثلا تخيّل انك تحث الطالب على تطبيق نشاط على الخارطة الصماء عن قارات العالم الخمس، وهو يستطيع عبر جهاز الهاتف الذهاب برحلة افتراضية للزمن الكوني الذي تشكل به العالم وعمرت به الأرض، وتباعدت به اليابسة عن البحر فتكونت القارات، أو أن المعلم يشرح للطلاب عن الفلك والكواكب والطالب بوسعه ان يشاهد تتبعا علميا لمسبار المريخ او فيلما عن الهبوط على القمر.

لذلك، مع مراعاة فروقات الثقافة وموقع الطالب ومجتمعه الذي يعيش فيه، ومع مراعاة الخدمات المعرفية التعليمة وتوفرها في المدارس، يظل الرهان اولاً وأخيراً على المعلم، وقدراته على توظيف المعرفة الرقمية المعاصرة وكافة سبل التعليم الجديدة.

نعود للاستاذ د محافظة الذي لا يعتبر أن إعداد منهج جديد هو السبيل الوحيد للنجاة، بل يطالب بمسؤولية مجتمعية وحكومية اكثر فعالية نحو التعليم، ويطالب الجامعات بتخريج طلاب أفضل، ويرفض كل ما هو غير قابل للعقل في المنهج، ويحث بالتركيز على قيم الثقافة العربية الإسلامية، والأهم أنه لا يرى أن هناك وجودا كيانيّا لدولة اسرائيلية على أرض فلسطين على مرّ التاريخ، وأن النصوص المتاحة هي نصوص التوراة، وهذه برأيه لا يُعتد بها، ولا يركن إليها، وأن الشعب اليهودي تمّ اختراعه وتفصيله وقذفه نحو فلسطين بدعم الاستعمار لتقويض الوحدة العربية والاسلامية.

والأهم في سيرة الاستاذ محافظة، أنه مؤرخ ثبت، وصاحب رأي ومواقف فكرية محترمة، وبعد عمر طويل في التأسيس والإدارة الجامعية، قطع مع كل ذلك الجهد، وعاد وواظب على التدريس وتقديم المؤلفات الجديدة، ولم يوظف طلابه لخدمته، بل دعمهم وتابعهم دون أن يكونوا تابعين له، كما انه واحد من رموز الفكر القومي العربي، المؤمن بوطنيته، الناطق بالحق دون مواربة ومهادنة، فكان وسيقى أمدّ الله بعمره محلّ احترام الجميع.