السودان إلى أين.. بعد ان ذهب «جنرالا» الإنقلاب إلى الحسم العسكري؟
جفرا نيوز - بقلم محمد خرّوب
اياً كانت النتيجة التي ستؤول اليها الإشتباكات العسكرية الدائرة الآن في السودان وبخاصة في الخرطوم ومدينة مروى, فإن لجوء «رأّسيّ» المجلس الرئاسي الى السلاح لحسم صراعهما المحموم على السلطة, بتحريض إقليمي ودولي لكل منهما على حدة, مُرشح ان يأخذ السودان الى الفوضى وربما الإنزلاق الى حرب أهلية, نحسب ان «تقسيم» السودان سيكون أحد «أبرز تجليات» ما يأتي بع العسكر عندما يقفزون الى السلطة عند إعتلائهم أبراج دباباتهم.
كم كان لافتا ومثيراً للتساؤلات والشكوك, غياب جامعة الدول العربية, عن المشهد السوداني المأزوم والمُحتقن والمفتوح على تدخّلات غربية. برزت في اجتماع «قائد» قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو/حميدتي,مع ثلاثة مبعوثين غربيين.. أميركي,بريطاني ونرويجي, أبدوا للجنرال «قلقَهم» مما يجري في السودان, يُشاركهم قلقهم المزعوم هذا رهط يزيد على عشرة مبعوثين غربيين. خاصة مع تواصل السِجال المحمول على حشد عسكري مُتبادل بين جنراليّ الإنقلاب.. عبد الفتاح البرهان ونائبه حميدتي, في وقت لم يتورّع الإثنان فيه الزعم أمام وسطاء, عن إبداء إستعداد كل منهما للإلتقاء مع «الآخر", بهدف إتخاذ خطوات للتهدئة وخفض التصعيد. لكن ذلك بات من الماضي بعد إندلاع «الحرب» بينهما.
لم يكن التوتر الأخير هو أول خلاف يقع بين الجنرالين الذي يتربص كل منهما بالآخر منذ ان «نجحا» في تصفية خصومهما ومنافسيهما داخل المؤسسة العسكرية السودانية التي قادت الإنقلاب بقيادة وزير الدفاع عوض بن عوض, وبخاصة أنصار الديكتاتور المخلوع عمر البشير في مثل هذه الأيام من العام 2019 (10 نيسان)، لكن خلافهما هذه المرّة كان الأكثر خطورة ومؤشّراً على اقتراب «طلاقهما»، بعد ان استشعر (كل على حدة) أنه قد يفقد مكانته ودوره.، ليس فقط مع حلول موعد التوقيع على الإتفاق السياسي النهائي للإتفاق الإطاري الذي كان مقرّراً في الأول من نيسان ثم تم تأجيله الى السادس من الشهر الجاري, الى ان دبّ الخلاف بعد «الشروط» التي وضعها «حميدتي» للشروع في دمج قواته/الدعم السريع في قوام الجيش السوداني, خاصّة أنه كان اعتكف غاضباً ومقاطعاً «الخرطوم» في معقله بإقليم دارفور، بعدما ربط ذلك بـ"تطهير الجيش من حلول نظام البشير»، مُبدياً في الوقت نفسه » «ندمه على مشاركته في الإنقلاب الذي أطاح حكومة عبد الله حمدوك يوم 25/10/2021.
هنا «تنبّه» الجنرال البرهان لما يحيكه منافسه/عدوّه حميدتي، فأبدى بعض الليونة في تصريحاته, عندما أعلن التزامه بعودة الجيش الى ثكناته وتسليمه السلطة للمدنيين، بل ذهب أبعد من ذلك عندما قال في تصريح آخر استرعى الإنتباه, وهو أن المؤسسة العسكرية ستكون خاضعة للمستوى السياسي بعد إجراء الإنتخابات.
كلاهما البرهان وحميدتي لم يبديا ذات يوم رغبة في تسليم السلطة للمدنيين, وكان الرابط بينهما هو إعادة إنتاج نظام عسكري جديد, بنسخة مختلفة – في نظرهما – عن نسخة عمر البشير، وربما سعياً الى إنتاج نسخة مُحسنة من نظام جعفر النميري, خاصّة بعدما نال الأخير رضا واشنطن وخصوصاً اسرائيل إثر صفقة/عملية موسى لـ"تهريب» يهود الفلاشا الأثيوبيين الى دولة العدو الصهيوني, قابضاً نصيبه من الدولارات والشواقل ظنّاً منه أنه بات في منأى عن غضب السودانيين وجيشهم. فإذا بطيب الذكر الجنرال/ محمد سوار الذهب يعلن إنحيازه للشعب المنتفض على النميري, ليطيحه في انقلاب أبيض يوم 5 نيسان 1985, موفياً/ سوار الذهب بوعده تسليم السلطة للمدنيين بعد انتخابات نزيهة, لم يلبث عمر البشير ان أطاحها في 30/6/1989 بالإشتراك أو قل بتخطيط ودعم من زعيم «الجبهة الإسلامية» الشيخ حسن الترابي.
تبدو «اسرائيل» غائبة (علانية على الأقل) عن التدخّل في ما يجري في السودان قبل وبعد إندلاع «الحرب» بين الجنرالين، بعد أن عملت طوال الفترة التي تلت الإنقلاب وقبل تطبيع البرهان وحميدي وشقيقه عبد الرحيم (وهو جنرال أيضاً) على ترتيب زيارات علنية للخرطوم وأخرى بإتجاه تل أبيب لـضيوف سودانيين), وكان رئيس الموساد في ذلك الوقت/ إيلي كوهين هو الشخصية الأبرز في هذا المجال قبل تقاعده (يشغل منصب وزير الخارجية في الإئتلاف الفاشي الذي يرأسه نتنياهو).
في الخلاصة.. المؤسسة العسكرية الرسمية/الجيش وباقي أذرعه منحازة (أقلّه حتى الآن) للجنرال البرهان وتتبنى موقفه، فضلاً عن رغبة رموزها بـ"تصفية» ميليشيات الدعم السريع التي أوصلت بعد أجنحتها الرئيسية وبخاصّة «الجنجويد», السودان الى حال غير مسبوقة من التفكك والإنهيار والتدخّل الغربي, بعد الجرائم التي ارتكبتها في دارفور وغير دارفور. لكن ولرغم ذلك فإن «الولاءات» والإصطفافات محكومة بخواتيم المعارك الدائرة الآن, والى «كفّة» مَن ستميل موازين القوى.