ما قصة النزاع العشائري في العراق؟
جفرا نيوز - كان ظهر يوم الخميس الماضي 13 أبريل/نيسان 2023 ساخنا في قضاء الإصلاح شرق مدينة الناصرية في محافظة ذي قار (400 كيلومتر جنوب بغداد)، حينما اندلع نزاع مسلح بين عشيرتين إثر تراكمات ومناكفات طويلة على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، وفق ما يؤكده سكان القضاء.
وبدأت القصة حينما خرج أهالي قضاء الإصلاح إلى الشوارع مطالبين بتوفير المياه، حيث تعاني المدينة من أزمة مائية قاسية، وطالبوا بتوفير مياه الشرب والخدمات وإقالة "القائممقام"، وعلى إثر ذلك اشتد الخلاف بين المتظاهرين والقائممقام، ليتحول إلى أعمال شغب ومصادمات بين قوات الأمن والمتظاهرين، وفق ما يؤكده للجزيرة نت علي محمد وهو شاهد عيان من قضاء الإصلاح.
ووفق محمد، كانت نتيجة المصادمات، إصابة بعض المتظاهرين واعتقال أكثر من 15 متظاهرا وفق المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب، لتستمر الاحتجاجات لأكثر من 3 أيام، وبعد الإفراج عن المعتقلين عاد الهدوء للمدينة، واتفق شيوخ العشائر ووجهاء المدينة على أن يبقى القائممقام في منصبه مدة 6 أشهر ومن ثم يقدم استقالته.
تفاقم الأزمة
أما عن النزاع المسلح، فقد انطلقت شرارته بعد أن كتب أحد الشباب من أقرباء القائممقام منشورا على فيسبوك يمتدحه فيه، ليرد عليه أحد المعلقين بطريقة سلبية، ثم تطور الوضع ليذهب الشاب الى محل إقامة الشخص المعلق ويطلق عليه النار.
ووفق شاهد العيان، فإن عشيرة الشخص المعلق أقدمت بعد ذلك على إطلاق النار على شخص آخر من عشيرة صاحب المنشور، ليتحول قضاء الإصلاح إلى ساحة حرب طاحنة، حيث صار القتل على الهوية ووفق الانتماء العشائري.
من جانبه، يقول المواطن علي سامي من أهالي قضاء الإصلاح "إن النزاع بدأ من الساعة العاشرة صباحا وحتى الساعة الثالثة ظهرا من يوم الخميس الماضي، لتتحول أجواء المدينة إلى حرب شوارع، ولم نتمكن من الخروج من المنازل مطلقا، وكان أحد وجهاء المدينة قد حاول التواصل مع الطرفين لإيقاف النزاع لكنه لم يتمكن من ذلك".
وخلال ذهابه للعشيرة الأخرى، كان نجله الأكبر -وهو ضابط بجهاز الأمن الوطني- قد لحق بأبيه للمشاركة في إيقاف المشكلة، بيد أن العشيرة الأخرى كانت قد نصبت للضابط كمينا وسط الشارع، حيث أمطروه بالرصاص ليسقط قتيلا أمام الناس، مما دفع عشيرة الضابط القتيل للاستنفار والدخول في مواجهة مباشرة مع العشيرة الأخرى، وفق ما يؤكده سامي للجزيرة نت.
تحرك أمني
وعلى إثر المصادمات المسلحة، سقط 4 قتلى وأكثر من 10 من الجرحى، في حين اعتقلت القوات الأمنية أكثر من 12 من المتسببين بإثارة النزاع دون أن تنتهي القصة، وفق ما أعلنته القوات الأمنية.
في السياق، أفاد مصدر أمني من محافظة ذي قار للجزيرة نت بأن 5 أفواج من الشرطة الاتحادية والمحلية والجيش تحركت تجاه قضاء الإصلاح للسيطرة على الأوضاع، إضافة لقوة من جهاز مكافحة الإرهاب.
وأكد المصدر أنه في ساعة متأخرة من ليل الخميس وفجر أمس الجمعة، كانت العشائر المتقاتلة قد أغلقت الطرق الرئيسية والفرعية داخل قضاء الإصلاح، حيث تحصنت كل عشيرة واستحدثت بعض الخنادق، كما أن أوامر قبض قضائية صدرت بحق 4 من شيوخ العشيرتين لاعتقالهم من أجل إنهاء التوتر بين جميع الأطراف.
ورغم كل النزاعات العشائرية التي حدثت في ذي قار خلال السنوات القليلة الماضية، فإنه لم تسجل أي حالة اشتباك أو مواجهة مباشرة بين القوات الأمنية والعشائر، إذ عادة ما تتدخل السلطات الأمنية عند نهاية النزاع أو تسعى لإيقافه من خلال وجهاء المنطقة وشيوخ العشائر، يرافق ذلك حملات أمنية لضبط الأسلحة بنطاق محدود.
وتمتلك الكثير من العشائر جنوب العراق نفوذا وسطوة مجتمعية كبيرة، إضافة لحضورها وتأثيرها في المشهد السياسي، ونفوذ لدى الفصائل المسلحة، حيث يمثل هذا النفوذ شبكة علاقات واسعة، يجعل من القوات الأمنية غير قادرة على تنفيذ أوامر القبض بحق المحرضين على إثارة النزاعات العشائرية، وفق العديد من المراقبين.
تعزيز الهويات الفرعية
من جانبه، يعتقد الخبير الأمني سيف الحسيني -خلال حديثه للجزيرة نت- أن مسألة النزاعات العشائرية تعد أحد معرقلات بناء الدولة المدنية، وأنها تسهم بتعزيز ظاهرة عدم الاستقرار الأمني وتنامي الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية.
ويكمن الحل بتعزيز قوة الدولة وقدرتها على فرض القانون ومحاسبة كل من يحمل السلاح خارج نطاق الدولة، كما يقول الحسيني، ليؤكد ضرورة العمل على إيجاد وثيقة وطنية بين العشائر العراقية في تلك المناطق من شأنها تجريم هذه الظاهرة وتوظيف البنية العشائرية في إعادة بناء الدولة.
وبحسب مراقبين، فإن ازدياد ظاهرة النزاعات العشائرية جنوب البلاد استفحلت بسبب التراخي الأمني لفترات طويلة، والذي جاء على إثر الاحتجاجات التي انطلقت عام 2019 وتوجيه الأجهزة الأمنية بعدم حمل السلاح، حيث أدى ذلك لفسح المجال واستدعاء ثارات عشائرية قديمة.
وتشكل النزاعات العشائرية والمسلحة هاجسا مخيفا لدى السكان بمحافظة ذي قار، إذ إن كمية السلاح المستخدمة في كل نزاع كفيلة بإعلان الحرب، وذلك وفق ما يؤكده للجزيرة نت المحلل السياسي من ذي قار محمد التميمي.
ويعتقد التميمي أنه لا حل لهذه المشكلة إلا عبر تشريع قوانين تجرم هذه الظاهرة وتجبر الجميع على اللجوء للقانون والقضاء، فضلا عن ضرورة تنفيذ حملات أمنية واسعة لاعتقال أطراف النزاع ومصادرة الأسلحة، والاكتفاء بالأسلحة الشخصية المرخصة قانونا، وفق تعبيره.
ويتابع التميمي أن النزاعات العشائرية تتسبب بآثار سلبية على المدن من عدة جوانب، منها اجتماعية وأمنية وخدمية وسياحية، مع ما يخلفه ذلك من رسائل سلبية عن هذه المدن، الأمر الذي يضعف الجانب السياحي والاستثماري والبناء والإعمار، وفق تعبيره.
إحصائيات
وكانت محافظة ذي قار قد شهدت العديد من النزاعات العشائرية خلال العام الحالي، ففي الساعات الأولى من صباح الأول من يناير/ كانون الثاني الماضي، كانت المحافظة قد شهدت نزاعا عشائريا مسلحا استمر عدة ساعات في قضاء الجبايش شرق الناصرية بين أفراد من عشيرة واحدة، استخدموا خلاله أسلحة خفيفة ومتوسطة، قبل أن توقف الشرطة النزاع.
وبعدها بأيام قليلة، اندلع نزاع عشائري آخر بين عشيرتين في قضاء سيد دخيل جنوب شرق الناصرية (مركز المحافظة)، إلا أن قوات التدخل السريع وصلت إلى مكان الحادث وطوقت المشكلة وضبطت أسلحة خفيفة ومتوسطة وقنابل يدوية.
وفي شمال الناصرية وتحديدا في مدينة الشطرة، تعرض منزل أمير إحدى العشائر الكبيرة بالمدينة إلى قصف بقاذفة من نوع آر بي جي (RPG) في فبراير/شباط 2023، وذلك إثر خلافات عشائرية سابقة، مما أدى لتأزيم الوضع الأمني وخروج مسلحين في استعراض عسكري في وضح النهار وأمام مرأى الأجهزة الأمنية.
وخلال عامي 2021 و2022 سجلت محافظة ذي قار ما يقرب من 100 نزاع عشائري، وهذه النزاعات هي جزء من نزاعات أخرى محتدمة تحصل في محافظتي ميسان والبصرة (جنوب البلاد) ومدن أخرى.
وكانت مديرية شؤون العشائر في وزارة الداخلية قد أعلنت في عام 2021 عن حسم 450 نزاعا عشائريا في عموم البلاد للفترة ما بين يوليو/تموز2020 وحتى يونيو/حزيران 2021، في حين أعلنت الوزارة في العاشر من مايو/أيار 2022 ضبط أكثر من 7 آلاف قطعة سلاح ما بين خفيف ومتوسط، كان جلها في حوزة العشائر.
الجزيرة