"أحزاب سادت ثمّ بادت" .. هل نفتقد اللون اليساري والقومي في المرحلة الحزبية القادمة ؟
جفرا نيوز – د. محمد أبو بكر
تعود بي الذاكرة إلى أكثر من ثلاثين عاما ، حين بدأ النشاط الحزبي العلني بعد أكثر من ثلاثة عقود من الأحكام العرفية ، حيث تمّ حظر الأحزاب باستثناء جماعة الإخوان المسلمين ، والتي لم يكن ينظر إليها باعتبارها حزبا سياسيا بل جماعة دعوية لا علاقة لها بالسياسة .
في تسعينيات القرن الماضي عشنا حالة حزبية يمكن وصفها بالجيدة والمقبولة ، غير أنّ هذه الحالة تراجعت بصورة غير مفهومة بعد تعديل القانون الحزبي الذي رفع عدد المؤسسين من خمسين عضوا إلى خمسمائة عضو مؤسس ، حيث كنّا نتوقع تحسّنا في الأداء الحزبي مع وجود أحزاب قوية ، غير أن كافة اعتقاداتنا ذهبت أدراج الرياح .
أحتفظ شخصيا بمعلومات هامّة حول كيفية تصويب الأحزاب لأوضاعها في تلك الفترة ، منها معلومات تدعو للسخرية والإستغراب ، هذا إذا ما علمنا بأنّ الكثير من الأحزاب والتي تمكنّت من تصويب وضعها حسب قانون 2007 ، لم تستطع جمع خمسين عضوا في مؤتمراتها العامّة ، وهذا يعني بأن غالبية المؤسسين في ذلك الوقت كانوا لا يعرفون شيئا عن حزبهم ، أو أنّهم لا يعرفون أصلا بأنّهم أعضاء مؤسسين في حزب سياسي .
ويمكن القول بأنّ الجهات الحكومية كانت تدرك هذه الحقيقة ، وبالتالي جاء القانون الجديد ليحسم هذه الجزئية ، من خلال عقد المؤتمر التأسيسي بنصف الأعضاء زائد واحد ، وهي خطوة هامّة باتجاه منح الترخيص النهائي للحزب .
هذا القانون وضع غالبية الأحزاب القائمة أمام تحدّ واضح ، وكشف الكثير مما لا يعرفه البعض ، وبالتالي بات ترخيص الحزب يمرّ بثلاثة مراحل ؛ التقدّم بثلاثمائة عضو ، ثمّ رفع العدد لألف مؤسس وإنتهاء بالمؤتمر التأسيسي ، وكان واضحا بأنّ عددا
كبيرا من الأحزاب القائمة لم يتمكّن من التعاطي مع القانون الحزبي الجديد .
وإزاء هذا الواقع بات حتميا مغادرة الكثير من الأحزاب للساحة السياسية ، وخاصة أحزاب الوسط ، التي واجهت فشلا في التصويب أو حتى الإندماج لأسباب متعددة ، ومن المؤسف حقّا أن نشهد مغادرة أحزاب يسارية وقومية للساحة ، بعد الفشل في التصويب ، فحتى هذه اللحظة استطاع حزب واحد فقط من هذا اللون تصويب وضعه وهو حزب الشعب الديمقراطي الأردني – حشد .
في حين يبقى حال الأحزاب الأخرى في عالم الغيب ، خاصة وأن ثمانية أيام فقط تفصلنا عن العشرين من هذا الشهر ، وهو التاريخ النهائي لتقديم طلبات التصويب بالنسبة للأحزاب القائمة ، والتي يبدو أن الغالبية رأت في المغادرة الطريق الأسلم أو إنضمامها لحزب قائم جرى تصويب وضعه .
مغادرة أحزاب يسارية وقومية سيكون مفاجأة كبيرة ، هذا إذا ما نظرنا إلى هذه الأحزاب على أنها أحزاب تاريخية ؛ كالبعث والشيوعي والوحدة الشعبية وكذلك الحركة القومية ، وهذا سيشير حتما إلى خلوّ الساحة من مثل هذه الأحزاب ، التي يبدو بأنها
غير قادرة على تصويب أوضاعها ، مع وجود بصيص أمل خلال أيّام قليلة قادمة .
أكثر من خمسة وخمسين حزبا ما زالت تعمل وفق القانون القديم ، وهي تعيش لحظاتها الأخيرة ، إمّا الإستمرار أو المغادرة ، والغالبية ستغادر حتما ، وبحسبة بسيطة يمكن القول بأننا سنفتقد أكثر من نصف العدد السابق ، رغم أننا افتقدنا العمل الحزبي برمّته طيلة أكثر من عشرين عاما ، حيث التهميش الواضح للعمل الحزبي ، وهو تهميش تتحمّل الأحزاب وقياداتها المسؤولية المباشرة عنه .