دَرَج الكَلْحة والشاعر حيدر محمود.. ماذا جرى ؟
جفرا نيوز/ محمود كريشان
يا وجهَ الصباح.. يا ضوءَ القمر وبوابة الحب العذري.. ولحظة فرح ونشوة وتجلي.. تستقبلك أدراجها بثغر مبتسم، وصمت نبيل، مع إنسياب الهوى من فوق الأدراج العريقة، مثل روافع زاحفة بهدوء على سفوح جبالها السبعة، وهي تعانق فضاء المكان شموخا وإباء.. هي أدراج عابقة بالذكريات العابقة بالجوري الشهري، المزروع في «التنك» الفارغ، مغروسة بطين الصبر والرضا في بيوت الأمهات الصابرات.. وسلالم حجرية ما تزال تيسر سبل السير في جبال عمان صعودا ونزولا.. تستقبل الصعاليك والمتسكعين والعشاق اليافعين.. بل والطالبات بمريول مدرسي أخضر يانع، والنساء والرجال والأطفال، بلا أي شكوى أو أنين.. تجد مثقفا تقطعت به السبل ينزوي في جنباتها عارضا كتبه ومؤلفاته للبيع، تحت وطأة الفاقة بعد ان تحداه قدره المحتوم.. وبالطبع "وزارة الثقافة" لا تعلم عن ذلك ولم تصل إلى مكاتب المسؤولين فيها أصوات صرخات الإدانة..!
عموما.. في عمان ثمة شاعر عراري عظيم للدولة والوطن لا الحكومات إسمه "حيدر محمود" ارخى أشعاره العذبة لتنساب لحنا قشيبا في التغزل بمعشوقته الأبدية "عمان" وهو الذي لم يترك جزءا في هذا البلد.. المملكة الأردنية الهاشمية إلا وتغنى به.. حتى أدراج العاصمة الفتية.. ألم يقل شاعرنا الكبير معالي الأستاذ حيدر محمود: أدراجُ عمّانَ النازلةُ من جِبالها، الى قاعِ المدينة.. أو الصاعدةُ اليها «بالأحرى».. تُشبهُ ربطاتِ العُنقِ الانيقة، على قمصانٍ شديدةِ البياض..
هذه الادراجُ المريحةُ المُتعبةُ -صعوداً وهبوطاً- هي أجملُ اللوحاتِ التي رسمها اهلُها على مدى السّنين.. وبخاصّةٍ في الفتراتِ التي كانَ الناسُ، يُزَيّنونَ مداخلَ بيوتِهم، المجاورة لهم، من كلا الجانبين، بالياسمينِ المزروع في عُلب السَّمنة، والحليب، والزّيت.. وما شابهها، بعد أن تَفرغ، وبدلاً من رَمْيِها في الطّرقات، أو في الحاويات.. لِتُشَكّلَ على إمتدادِ تلك الأدراج حديقةً خضراءَ مُتّصلة، من أوّلِها إلى آخرِها.. تُذَرْذِرَ العِطْرَ، والشَّذى، في «العشيّاتِ العّمانية». وتَحْمِلُ رسائلَ العِشقِ.. بلا كلمات!.
نستأذن القّلْبَ، في هذا الصَّباح العماني القشيب، لنعيد على نّبْضِه بعضَ النّبض.. نكتب عن عمان.. أدراجها ويسترسل شاعر الحب والحرب "حيدر محمود" وهو يطلق العنان لخياله العذب، بأن درج الكلحة قد قال له في ذات زمن: مُنْذُ القَرْنِ الماضي/ لم أَصْعَدْ «دَرَج الكَلْحة»!/ لكنْ حين رآني، ناداني باسْمي!/ كيف عَرَفْتَ؟
فَرَدَّ: إذا نَسي البَشَرُ / فلا يَنْسى الحَجَرُ، ولا يَنْسى الشَّجَرُ/ وأَخْبَرني: أنّ لديهِ تَسْجيلاتٍ/ بالصَّوتِ، وبالصّورَة، عنّي: حين طَلَعْتُ، وحين نَزَلْتُ، وحين وَقَعْتُ، وحين بكيتُ، وحين ضحكتُ، وما أحلى تلكَ الأيّامَ، وأغلاها!/ أَتَذَكَّرُ «يا حَيْدرُ» وَقْعَ خُطاكَ/ وَوَقْعَ خُطاها! قلتُ لهُ: لا تُكْمِلْ، فالحيطانُ لها آذانْ، وعُيونٌ، وشفاهٌ، ولها ألفُ لسانْ! قالَ: شريطةَ أنْ تكتبَ عنّي/ في «الدُّستورْ»!/ رائعةً من شِعْرِكَ أنْتْ/ وليس من «الشِّعْرِ المَنْثورْ»!/ لأُعَلِّقَها في رأسِ الدَّرَج، وأَجْعلَها «أُيْقونةَ» كلِّ الأَدْراجْ/ وأقولَ لعمّانَ الحُلوةِ/ نحنُ الأَصْلُ، فَرُدّي غُرْبَتَنا عَنْكِ، وخلّي تلكَ «الأَبْراجَ»، لأَهلِ الأَبْراجْ!..
حفظ الله معالي الشاعر الأستاذ حيدر محمود، ومتعه بموفور الصحة والعافية.. يا رب
Kreshan35@yahoo.com