هل يستطيع «الاتحاد الأوروبي» التحرّر من الهيمنة الأميركية؟

جفرا نيوز - بقلم محمد خرّوب

أثارت التصريحات الساخنة وغير المسبوقة التي أدلى بها الرئيس الفرنسي/ماكرون الأحد الماضي لصحيفة «ليزيكو» الاقتصادية/الفرنسية, في التطلّع إلى «استقلال استراتيجي» لأوروبا، موجة من التساؤلات والفضول حول التوقيت الذي اختاره ماكرون لطرح «دعوته» خاصة وهو يُواجه «أسوأ» موجة احتجاجات وإضرابات تجتاح فرنسا منذ تم طرح نظام التقاعد الجديد، والتي وصلت ذروتها – وما تزال مُتواصلة – بعد اعتماد القانون دون تصويت في «الجمعية الوطنية» (البرلمان)، الأمر الذي أوصل الأمور إلى نقطة حرجة فاقم منها فشل الاجتماع الذي عقدته رئيسة الحك?مة/اليزابيث بورن مع قادة النقابات.

صحيح أن تصريحات ماكرون جاءت على خلفية التوتّر المتدحرج والآخذ في التصاعد, بين الولايات المتحدة والصين على خلفية مسألة تايوان, وسعي إدارة بايدن الذي لا يتوقّف لاستفزاز الصين ودعم التوجه الانفصالي الأكثر استفزازاً, الذي تتبناه رئيسة تايوان تساي إنغ ون وحزبها (قبل استقالتها من رئاسته بعد هزيمته في الانتخابات المحلية أواخر العام الماضي) المُسمّى"الحزب الديمقراطي التقدمي", بزعيمته الانفصالية المُفرطة في عِدائها للوطن الأم, وبخاصة إعجابها بالنموذج الاميركي وثقافة الأمركة التي تُروّج لها تايبيه.

إلاّ أن ما انطوت عليه تفسيرات ماكرون ودعوته أوروبا الى «عدم الدخول في منطق الكُتلة مُقابل الكتلة» وتشديده على ألاّ تكون أوروبا تابعة للولايات المتحدة (أو الصين كما قال) في ما يتعلق بتايوان» مُعتبراً أن «أسوأ أمر هو الاعتقاد أننا نحن الأوروبيين يجب - أضافَ - أن نكون «أتباعاً» حول مسألة تايوان, وأن نتكيّف - واصلَ - مع الايقاع الأميركي وردّ الفعل الصيني المُبالغ فيه» على ما قال حرفياً. نقول: تكتسب أقوال ماكرون هذه أهمية إضافية خاصة إضاءاته اللاحقة التي عكست رغبة أو أُمنِية باستقلال أوروبا, من خلال دعوته أوروب? إلى «الإستيقاظ». مُضيفاً «أولويتنا الاّ نتكّيف مع أجندة «الآخرين» في مختلف مناطق العالم».. وتابع مُتسائلاً: لماذا علينا إتباع الإيقاع الذي يختاره الآخرون؟, مُواصلاً القول: في مرحلة ما, علينا أن نطرح على أنفسنا سؤال: أين تكمُن مصلحتنا؟ علماً - استطرَدَ - أننا لا نريد الدخول في منطق الكتلة مقابل الكتلة».

هنا يُطرح السؤال الأهم: مَنْ هو/هُم.. الآخر/الآخرون في نظر ماكرون، الذي يوشك على اتمام السنة الأولى من ولايته الثانية والأخيرة، وسط تراجُع شعبيته وشعبية حزبه المُسمّى/حزب النهضة (بعد أن كان اسمه «الجمهورية إلى الأمام»)؟.

يمضي ماكرون قدماً في تفسير دعوته هذه، لكن دون الذهاب بعيداً أو عميقاً على النحو الذي كانت عليه مواقف وتصريحات الرئيس الأسبق/ديغول في دعوته المُبكرة إلى «إنعتاق أوروبا من الهيمنة الأميركية» والتي ترجمها «جزئياً» عندما أعلنِ «إنسحاب فرنسا من القيادة العسكرية لحلف شمال الأطلسي/الناتو في عام 1966 (أعادها الرئيس الفرنسي المتأمرك ساركوزي العام 2009 بعد 43عاماً من قرار ديغول). بل لم يُفكّر ماكرون في تقديم مشروع قرار للجمعية الوطنية الفرنسية, يعيد فيه «تجربة» انسحاب بلاده من قيادة الحلف العسكرية كما فعل ديغول, كخط?ة أولى وضرورية على طريق «الاستقلال الاستراتيجي", الذي اعتبره ماكرون في مقابلة مع الصحيفة الفرنسية «معركة أوروبا», وتحذِّيره من أن تسارُع الاحتكار «الثنائي» الصيني – الأميركي، قد يُؤدي - أضافَ - إلى خسارة الوقت والوسائل لتمويل هذا «الاستقرار الاستراتيجي», مُقِرَّاً بأننا «سنُصبح تابِعين... في حين أننا قادرون على أن نكون «القطب الثالث»، إذا كان لدينا بضع سنوات لتأسيسه. لافتاً إلى أن «التناقض يكمن في إرساء عناصر استقلال استراتيجي أُوروبي حقيقي، وفي الوقت عينه - أضافَ - إتّباع السياسة الأميركية».

ثمَّة تناقضات أخرى أراد الرئيس الفرنسي الطمس عليها - ربما – وعدم التطرّق إليها, خاصة «قبل» العملية العسكرية الخاصة الروسية, عندما تواطؤ سلفه هولاند مع مستشارة ألمانيا السابقة/ميركل لخداع روسيا, بإفشالهما تنفيذ اتفاقية مينسك الأولى والثانية الخاصة بإقليم الدونباس, ومنحهما - بِعلم واشنطن وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي - حكومة زيلينسكي الفرصة لتقوية جيشها وتسليحه, ووضع الخطط والبرامج الرامية إلى استعادة شبه جزيرة القرم وربما ما هو أبعد من ذلك.. فكيف يمكن لـ«استقلال استراتيجي» كهذا أن تحصل عليه أوروبا؟. ثم وهذا?الأكثرر خطورة.. رأينا كيف وقعت أوروبا في الفخ الأميركي, عندما استسلمت للضغوط الأميركية وقامت بفرض مزيد من حزم العقوبات على روسيا, وقطع العلاقات التجارية والاقتصادية وخصوصاً «الطاقوية» معها, لصالح الغاز الأميركي الذي فاق سعره خمسة أضعاف الغاز الروسي «الأزرق»؟، ناهيك عن ضخّ مزيد من الأسلحة والعِتاد لأُوكرانيا, على نحو تأكد للعالم أجمع أنها «حرب بالوكالة بين حلف الناتو وروسيا, بل بين المعسكر الغربي بقيادته الأميركية وروسيا؟, فيما تتكرَّس تبعية الاتحاد الأوروبي للهيمنة الأميركية في ظل قيادات أوروبية مُتأمركة م?ل رئيسة الاتحاد الأوروبي/أورسولا فون دير لاين على رأسه, وستولتنبرغ أميناً عاماً للناتو؟.