هل يحمينا خفض التوقّعات من خيبة الأمل؟
جفرا نيوز - لن يكون للإنسان الذي يصطدم بحاجز الفشل سببٌ كبير لليأس والإحباط إذا كانت توقّعاته المستقبليّة منخفضة في الأساس. على العكس من ذلك، قد يمنى أشخاصٌ بخيبة أمل لو تفاءلوا كثيراً في الوصول إلى أحد أهدافهم قبل أن تتبدّد آمالهم. فهل يكون هذا التفكير سبباً لسعادة الإنسان، أو على الأقلّ لعيش حياة خالية من الهموم؟
المحاضر البارز في مركز العلوم الصحّيّة الإيجابيّة في "كلّيّة الجرّاحين الملكيّة بآيرلندا” جولانتا بوركه يقدّم إجابة على هذا السؤال في موقع "ذا كونفرسيشن” الأستراليّ:
تمّ تصنيف فنلندا مؤخّراً على أنّها أسعد دولة في العالم للسنة السادسة على التوالي. تمّ طرح مجموعة من النظريّات لشرح سبب استمرار الدولة الإسكندنافيّة في المرتبة الأولى في قائمة السعادة، من المساواة الأكبر في الدخل إلى الوقت الذي يقضيه المواطنون في الطبيعة.
لكنّ أحد أساتذة علم الاجتماع الفنلنديّين عزا موقف الدولة في قائمة السعادة العالميّة إلى "التوجّه الثقافيّ الذي يضع حدوداً واقعيّة لتوقّعات المرء لحياة جيّدة”. بكلمات أخرى، هو يعتقد على ما يبدو أنّ الشعب الفنلنديّ سعيد لأنّه لا يضع توقّعات مرتفعة جدّاً.
يودّ بوركه أن يجادل لصالح فكرة أنّ أبحاث علم النفس تشير إلى عكس ذلك.
التوقّعات المرتفعة مهمّة لأنّها تسمح لنا بالحلم ووضع أهداف للعمل على تحقيقها. من خلال عمليّة تسمّى "التباين الذهنيّ”، نؤسّس أحكاماً حول توقّعاتنا للمستقبل ونقرّر أيّاً من الأحلام الواقعيّة يجب متابعتها أو التخلّي عنها.
على سبيل المثال، قد تتخيّل نفسك أنّك تعيش حياة مع العديد من الأصدقاء حولك. إذا كنت جالساً بمفردك في المنزل وتحلم بهذا الأمر وتشعر بالحزن على حقيقة كونك وحيداً، فإنّ التباين الذهنيّ يساعدك على تحديد حلمك وتوقّع العقبات المحتملة والتخطيط لاتّخاذ إجراءات من أجل التغلّب عليها والسعي لتحقيق هدف يساعدك في تكوين صداقات، مثل الانضمام إلى نادٍ. يمكن أن تكون التوقّعات المرتفعة، عندما تكون واقعيّة، بمثابة قوة محفّزة لإجراء تغيير.
التوقّعات العالية تجعلنا متفائلين أيضاً، كي نستمرّ في مواجهة الشدائد. عندما يحدث شيء سيّئ لشخص ما ويطوّر توقّعاً بأنّ كلّ شيء سيعمل بشكل جيّد – على الرغم من الشدائد وحتى لو بدا غير واقعيّ في ذلك الوقت – فقد يؤدّي ذلك إلى المضيّ قدماً بخطوات إيجابيّة.
على سبيل المثال، قد تتضاءل توقعاتك في العثور على شريك حياتك عندما تنفصل علاقتكما. ومع ذلك، إذا كنت لا تزال تتمتّع بتوقعات كبيرة بأنك ستلتقي بالشخص المناسب، فمن المرجّح أن تنضمّ إلى موقع مواعدة وتبحث عن فرص للقاء أشخاص جدد.
على الجانب الآخر …
التوقّعات المنخفضة تحدّ من قدرتنا على التطوّر والنموّ. وجود توقّعات ضعيفة بأنّنا سنحقّق ما نأمله ليس طريقة جيّدة للتكيّف مع التغيّرات في الحياة، ويمكن أن يؤدّي إلى الشعور بالعجز واليأس.
عندما تكون لدينا توقعات منخفضة للنجاح في أعقاب الشدائد، فمن المرجّح أكثر أن نستسلم، على سبيل المثال، من خلال عدم تكليف أنفسنا عناء تجربة تطبيق مواعدة. حتى عندما تكون فرصنا في النجاح مرتفعة بشكل موضوعيّ، فسوف نتخلّى عن الفرص – ربّما لمقابلة أشخاص جدد – بسبب انخفاض توقّعاتنا بنجاح الأمور بالنسبة إلينا.
لذلك، إنّ وجود توقّعات مرتفعة يمكن أن يساعدنا على التكيّف مع الظروف المتغيّرة والاستمرار. إنّها علامة على المرونة والقدرة على التكيّف والرفاهية.
توقّعات الآخرين
في حين أنّه من المفيد وضع توقّعات عالية لأنفسنا، فإنّنا نميل أيضاً إلى الأداء بشكل أفضل عندما يكون لدى الآخرين توقّعات عالية منّا. وهذا ما يسمّى بـ”تأثير بيغماليون”.
إيماننا بأنّ الآخرين ينظرون إلينا على أنّنا قادرون واعتقادهم بأنّه يمكننا تحقيق أكثر ممّا نعتقده عن إمكاناتنا الخاصّة، يدفعنا إلى أداء أفضل. وبالمثل، عندما يكون لدى الآخرين توقعات منخفضة منّا، فإنّنا نؤدّي بشكل أسوأ على العموم. تم اختبار "تأثير بيغماليون” على نطاق واسع في مكان العمل والتعليم، وأظهر نتائج مماثلة.
متى يمكن أن تكون التوقعات العالية سيئة؟
إنّ وضع توقّعات عالية للغاية يمكن أن يكون له آثار سلبيّة. تخيّل أنك بالغت في تقدير مهاراتك وتحدّيت نفسك كثيراً. ربّما بدأت في لعب "كاندي كراش” على هاتف شريكتك ومستواها يسبقك كثيراً مستواك. قد يؤدّي عدم تطابق مهاراتك مع هذا التحدّي إلى الإحباط وحتى القلق.
لتحييد ذلك، كلّ ما عليك فعله هو العودة إلى مستوى يتناسب بشكل أفضل مع مستوى مهارتك – والذي تجده صعباً، لكنّك مع ذلك قادر من خلاله على تحقيق درجات تقدم مرتفعة في اللعبة. نحن نميل إلى فعل الشيء نفسه في الحياة الواقعيّة للحفاظ على التوازن.
على سبيل المثال، فلنفترض أنّك تنظّم حفل عشاء لأصدقائك. إذا التزمت بطهي وجبة معقّدة تمثّل تحدّياً كبيراً، فقد يصل قلقك إلى مستويات مرتفعة بحيث لا يمكنك الاستمتاع بحفل العشاء الخاصّ بك. بدلاً من ذلك، يمكنك تقليل توقّعاتك وإعداد وجبة لا تتطلّب المقدار نفسه من المهارة، ولكنّها لا تزال تمثّل تحدّياً لك، وسيظلّ أصدقاؤك يستمتعون بها من دون شك.
إدارة التوقعات
لدينا جميعاً أشواق، ورغبة في الحصول على نسخة مثاليّة من حياتنا. تصبح بعض رغباتنا أهدافاً (على سبيل المثال، أن نصبح آباء)، ويصبح البعض الآخر رغبة مدى الحياة والتي من المحتمل ألا تتحقق أبدًاً، على سبيل المثال، الفوز ببرنامج "أكس فاكتور”.
أحد الأسباب التي قد تجعل الناس لا يرغبون في إطلاق توقّعات مرتفعة هو رغبتهم في حماية أنفسهم من خيبة الأمل عندما لا تتحقّق آمالهم، وهذا مصدر قلق صحيح. ومع ذلك، إنّ تعلّم إدارة عواطفنا عند الإصابة بالحزن والإحباط يساعدنا في التعامل بشكل أكثر فاعليّة مع الشدائد.
إنّ إيجابيّات التوقعات العالية لجهة تحفيزنا على تحديد الأهداف وتحقيقها تفوق السلبيّات وأيّ "حماية” قد نحصل عليها من التوقّعات المنخفضة. بالنظر إلى كل هذا، إنّ التفكير في كون الفنلنديين سعداء لهذا السبب هو أمر تبسيطيّ للغاية، بحسب بوركه.