سباق رمضان يضع بيوت الأزياء العالمية في مأزق
منذ فترة وموجة من التعليقات والانتقادات تظهر على السطح حول استغلال بيوت الأزياء العالمية شهر رمضان والعيد، وتحويلهما من مناسبة روحانية إلى فرصة تجارية يُسوّقون فيها منتجات خاصة تحت عنوان «تشكيلة رمضان» أو «رمضان كوليكشن». في البداية اعتبرت المنطقة تخصيص قِطع حصرية بخامات مُترفة وترصيعات غنية احتراماً لها، لكن بعد دخول أغلب بيوت الأزياء السباق الرمضاني، فإن الظاهرة أغرقت السوق بفساتين بخطوط محتشمة وأكمام طويلة، تتماوج بدرجات الرمال والذهب أو الزمرد، مما أصاب البعض بالتخمة.
المصمم السعودي العالمي محمد آشي يعلِّق على هذه الظاهرة قائلاً إنه مهما تعددت الأساليب واختلفت النيات، وبغضّ النظر عن الأهداف المعلَنة وغير المعلَنة، فإن المجموعات الرمضانية أصبحت في السنوات الأخيرة كما لو أنها جزء من تقويم الموضة، مثلها مثل موسم الـ«هوت كوتور والأزياء الجاهزة وخط الكروز وخط البري فول. وصُنّاع الموضة والترف يتعاملون معه مثلما يتعاملون مع السنة الصينية في كل عام».
لا يرفض آشي فكرة طرح أزياء خاصة بهذا الشهر: «فأنا أيضاً طرحت مجموعة قفاطين في السابق، وكانت تجربة تجارية ناجحة»، وفق اعترافه، لـ«الشرق الأوسط». ويتابع: «لكن هذا لا يمنع من القول إن الغرب يمكن أن يستفيد أكثر في حال استعان بخبراء ومتخصصين من أبناء المنطقة؛ لأنهم أكثر من يفهم الثقافة وتلك الفروقات الدقيقة التي تميِّز بلداً عن آخر ولا يمكن أن يشعر بها شخص من ثقافة أخرى، مهما حاول. فكلنا نعرف أن تفاصيل طقوس رمضان في السعودية ليست هي نفسها في قطر أو دبي أو المغرب أو تونس أو مصر وغيرها... لكل بلد خصوصيته وتقاليده وطقوسه».
ما يُجمِع عليه عدد من المراقبين أن هذا السباق المحموم على الوجود في المنطقة، خلال هذا الشهر، يوقع البعض في مطب الاستسهال. يكتفون بفساتين محتشمة بألوان ترتبط بالمنطقة، أو يعرفون أن أهل المنطقة يميلون إليها مثل الأخضر، يطلقون عليها اسم «تشكيلة رمضان»؛ لتسويقها.
المصمم السعودي العالمي محمد آشي لا يرفض فكرة طرح أزياء خاصة بهذا الشهر، وكانت له تجربة تجارية ناجحة من خلال مجموعة قفاطين، لكنه يقول إن الغرب يمكن أن يستفيد أكثر في حال استعان بخبراء ومتخصصين من أبناء المنطقة؛ لأنهم أكثر من يفهم ثقافتها وتلك الفروقات الدقيقة التي تميِّز بلداً عن آخر ولا يمكن أن يشعر بها شخص من ثقافة أخرى، مهما حاول
فرانشيسكا فانتوري، وهي مؤسِّسة شركة «إيليفايت» للعلاقات العامة بإيطاليا، وعملت في دبي لسنوات، تقول إن «هذا الشهر أصبح يمثّل للعلامات التجارية العالمية ما يمثّله يوم الحب العالمي أو أعياد الميلاد في الغرب، ومن ثم يتعاملون معه على هذا الأساس: بطرح منتجات حصرية ومحدودة بألوان يرون أنها تمثّل الثقافة العربية والإسلامية. وهذا يطرح السؤال عما إذا كان صناع الموضة يفهمون ما يعنيه الشهر الفضيل بالنسبة للملايين من المسلمين، أم أنه مجرد وسيلة لتسويق منتجاتهم»، وفقاً لتساؤلها.
ولا تخفي فانتوري أن النية قد تكون حسنة تستهدف تقديم منتجات متميزة وأنيقة تليق بسوق تقدِّر كل ما هو جميل: «لكن هناك استسهالاً وعدم تعمق في فهم المعنى الحقيقي لهذا الشهر»، مضيفة: «اسم (تشكيلة رمضان) بحد ذاته يتضمن مفهوماً مغلوطاً؛ لأنه يعطي الانطباع بأن رمضان بالنسبة للمسلمين يتمحور حول الاستهلاك، وصرف مبالغ طائلة على آخِر صيحات الموضة، مع أن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً. إنه شهر الروحانيات والاهتمام بالآخر من خلال أعمال الخير والصبر والعطاء. أما المظهر الجميل فهو مُكمل لكل هذا وليس الأساس».
توافقها الرأي راني إيلمي، وهي مؤسِّسة شركة «فرايم» للعلاقات العامة في دبي، وتتعامل مع بيوت أزياء مهمة مثل «إيترو» و«جيني» و«باي فار» وغيرها، بأن هناك مبالغة في التسويق والرغبة في الوجود عوض الاهتمام بالجانب الروحاني والخيري لهذا الشهر الفضيل. تقول: «أشعر أحياناً بأن بعض الأسماء العالمية لم تفهم بعدُ المعنى الحقيقي لهذا الشهر، من تواصل إنساني والإحساس بالغير، وغير ذلك من الأمور. تركز، في المقابل، على جانب السهر والولائم والحفلات».
الحل، بالنسبة لها، أن تفهم بيوت الأزياء العالمية أن سوق المنطقة مهمة طوال السنة وليس خلال رمضان وحده. لكن فرانشيسكا فانتوري ترى أنه على الشركات الإقليمية التي تُوظفها هذه العلامات أن تكون شُجاعة، بحيث تشرح لهم بعض التفاصيل الغائبة عنهم: «عليهم التعاون مع خبراء ومتخصصين لقراءة ما بين السطور، وفهم تلك التفاصيل المهمة التي لا يمكن أن تفهمها أو تشعر بها إلا إذا عشتها وتغلغلت في عُمقها».
وهذا تحديداً ما تدركه راني إيلمي عندما تقول إن جانباً من المشكلة التي باتت تستفزّ البعض، أن السباق لم يعد يقتصر على اقتطاع جزء من الكعكة الدسمة التي تشكِّلها المنطقة من خلال الدعايات التلفزيونية، أو طرح التشكيلات الحصرية باللونين الذهبي أو الأخضر فحسب، بل بات يشمل حفلات إفطار وسحور خاصة تقيمها بيوت الأزياء بشكل يومي تقريباً. ربما يكون الأمر، بالنسبة لها، وسيلة تعبّر بها عن احترامها لزبون المنطقة ورغبتها الصادقة في مشاركته احتفاليته بهذا الشهر، لكن إذا أخذنا العام الماضي مقياساً، فإن كثرتها باتت تثير استياء البعض لما تتطلبه من جهد ووقت. فهذا الشهر خاص بالعائلة والأحبّة والمقرَّبين. راني إيلمي تحاول تجنيب عملائها ركوب هذه الموجة «باقتراحي عليهم أن يقدموا هدايا عوض دعوات الإفطار والسحور التي من المفترض أن يقضيها الصائم مع الأهل والأقرباء والأصدقاء وليس مع العملاء».