معركة الكرامة الخالدة في ذكراها الـ 55
القتال على محور جسر الملك حسين.
جفرا نيوز - لقد كان هجوم العدو الرئيس موجهاً نحو الشونة الجنوبية، وكانت قواته الرئيسة المخصصة للهجوم مركزة على هذا المحور الذي يمكن التحول منه إلى بلدة الكرامة والرامة والكفرين جنوباً، واستخدام العدو في هذه المعركة لواءين (لواء دروع ولواء آلي) مسندين تساندهما المدفعية والطائرات.
وفي صباح يوم الخميس 21 آذار دفع العدو بفئة دبابات نحو عبور الجسر، واشتبكت مع قوات الحجاب القريبة من الجسر إلا أن قناصي الدروع تمكنوا من تدمير تلك الفئة بعدها قام العدو بقصف شديد ومركز على المواقع، ودفع بكتيبة دبابات وسرية محمولة، وتعرضت تلك القوة إلى قصف مدفعي مستمر ساهم في الحد من اندفاعه، إلا أن العدو دفع بمجموعات أخرى من دروعه ومشاته، بعد قتال مرير استطاعت هذه القوة التغلب على قوات الحجاب ثم تجاوزتها، ووصلت إلى مشارف بلدة الكرامة من الجهة الجنوبية والغربية مدمرة جميع الأبنية في أماكن تقدمها.
واستطاع العدو إنزال الموجه الأولى من المظليين شرقي الكرامة لكن هذه الموجه تكبدت خسائر كبيرة في الأرواح وإفشالها، ما دفع العدو إلى إنزال موجه أخرى، تمكنت هذه الأخيرة من الوصول إلى بلدة الكرامة، وبدأت بعمليات تدمير لبنايات البلدة، واشتبكت مع بعض الجنود والسكان والمقاومة في قتال داخل المباني، وفي هذه الأثناء استمر العدو بمحاولات الهجوم على بلدة الشونة الجنوبية، وكانت قواتنا تتصدى له في كل مرة، وتوقع به المزيد من الخسائر، وعندما اشتدت ضراوة المعركة طلب العدو ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وقف إطلاق النار، ولكن جلالة القائد الأعلى للقوات المسلحة الحسين بن طلال -طيب الله ثراه- أمر باستمرار القتال حتى خروج أخر جندي إسرائيلي من ساحة المعركة، وحاول العدو الانسحاب إلا أن قواتنا تدخلت في عملية الانسحاب، وحولته إلى انسحاب غير منظم فترك العدو عدداً من آلياته وقتلاه في أرض المعركة.
القتال على محور جسر الأمير عبدالله
حاول العدو القيام بعملية عبور من هذا المحور باتجاه ناعور- عمان، وحشد لهذا الواجب قوات مدرعه إلا أنه فشل ومنذ البداية على هذا المحور، ولم تتمكن قواته من عبور النهر بعد أن دمرت معظم معدات التجسير التي حاول العدو استخدامها في عملية العبور.
وفي محاولة بائسة من العدو لمعالجة الموقف فصل مجموعة قتال من قواته العاملة على مقترب وادي شعيب ودفعها إلى مثلث الرامة خلف قوة الحجاب العاملة شرق الجسر لتحاصرها، إلا أنها وقعت في الحصار، وتعرضت إلى قصف شديد أدى إلى تدمير عدد كبير من آلياتها.
وانتهى القتال على هذا المقترب بانسحاب فوضوي لقوات العدو، وكان لمقاومة قواتنا بالمدفعية ونيران الدبابات وأسلحة مقاومة الدروع الأثر الأكبر في إيقاف تقدم العدو وبالتالي دحره خائباً خاسراً.
محور غور الصافي.
حاول العدو جاهداً تشتيت جهد القوات الأردنية ما أمكن، وإرهاب سكان المنطقة، وتدمير منشآتها مما حدا به إلى الهجوم على مقترب غور الصافي برتل من دباباته ومشاته الآلية، مُمهداً لذلك بحملة إعلانية نفسية مستخدماً المناشير التي كان يُلقيها على السكان يدعوهم فيها إلى الاستسلام وعدم المقاومة، كما قام بعمليات قصف جوي مكثف على قواتنا إلا أن كل ذلك قوبل بالمقاومة العنيفة، وبالتالي أُجبِرَ على الانسحاب، وهكذا فقد فشل العدو تماماً في هذه المعركة دون أن يحقق أيا من أهدافه على جميع المقتربات، وخرج من هذه المعركة خاسراً مادياً ومعنوياً خسارة لم يكن يتوقعها أبداً.
لقد صدرت الأوامر الإسرائيلية بالانسحاب حوالي الساعة (1500 ) بعد أن رفض جلالة الملك الحسين القائد الأعلى للقوات المسلحة آنذاك وقف إطلاق النار، والذي كان يشرف بنفسه على المعركة ويقودها، ويبعث روح الحماس بين جنوده وقواته، وكان بتصميمه وإرادته القوية مثلاً رائعاً تعلم منه الجميع كيف تكون الإرادة الحرة القوية فوق كل اعتبار.
لقد استغرقت عملية الانسحاب تسع ساعات نظراً للصعوبة التي عانى منها الإسرائيليون في التراجع بسبب القصف المركز من جانب قواتنا.
د) السيطرة على الجسور
لقد لعب سلاح الدروع والمدفعية الملكيين دوراً كبيراً في معركة الكرامة وعلى طول الجبهة، وخاصة في السيطرة على جسور العبور، وهذا يؤكد عدم مقدرة الجيش الإسرائيلي على دفع أي قوات جديدة لإسناد هجومه الذي بدأه وذلك نظراً لعدم قدرتهم على السيطرة على الجسور خلال ساعات المعركة وقد أدى ذلك إلى فقدان القوات الإسرائيلية المهاجمة لعنصر المفاجأة، وبالتالي المبادرة، وساهم بشكل كبير في تخفيف زخم الهجوم وعزل القوات المهاجمة شرقي النهر، وبشكل سهل للتعامل معها وتدميرها، وقد استمر دور سلاح المدفعية والدروع حاسماً طيلة المعركة من خلال حرمان الإسرائيليين من التجسير أو محاولة إعادة البناء على الجسور القديمة، وحتى نهاية المعركة، ما يؤكد أن الجيش العربي قد خاض معركة الكرامة وهو واثق من نفسه، وإن الجهد الذي قد بذل كان جهداً دفاعياً شرساً مخططاً بالتركيز على أهم نقاط القتال للقوات المهاجمة بغية كسر حدة زخمها وإبطاء سرعة هجومها.
ه) توقيت بدء معركة الجيش العربي
بدأ الجيش العربي قتاله بعد مرور خمس ساعات، وبالنظر إلى قصر مقتربات الهجوم، قاد بسرعة إلى أهداف حاسمة (مركز الثقل) فإن مدة خمس ساعات كافيةٌ لوصول تلك القوات إلى أهدافها خاصة في ظل حجم القوات التي تم دفعها وطبيعتها وسرعة وزخم هجومها، ومن ناحية أخرى فإن دور كافة الأسلحة الأردنية وخاصة المدفعية يجب أن تكون مغيبةٌ طيلة خمس ساعات ونصف، وهذا كاف لتمكين القوات الإسرائيلية من العبور وحسب المقتربات المخصصة لها حيث أنهم لا يحتاجون لبناء جسور أو أطواق، لأن بعض الجسور موجودة أصلاً إلا ما ينقض هذه المقولة من أساسها هو عدم مقدرة الإسرائيليين على دعم قواتهم شرقي النهر، وحاولوا جُزافاً إعادة البناء على الجسور السابقة، كما حاولوا بناء جسور حديدية بغية إدامة زخم الهجوم والمحافظة على زمام المبادأة، إلا أن القوات الأردنية ومنذ اللحظة الأولى للهجوم فوتت عليهم الفرصة وحرمتهم منها، وهذا دليل على أن القوات الإسرائيلية التي تكاملت شرق النهر كانت بحجم فرقة، وهي القوات التي عبرت من الساعة الأولى، وتم استدراجها في عمق المواقع الدفاعية، وكسر حدة هجومها وبعدها لم تتمكن القوات الإسرائيلية من زج أي قوات جديدة شرق النهر، الأمر الذي أربكها وزاد من حيرتها خاصة في ظل شراسة المواقع الدفاعية ومقاومته الشديدة التي واجهتهم، وقد استخدمت القوات المسلحة في قتالها مع القوات الإسرائيلية المهاجمة في الشونة كافة الأسلحة قصيرة المدى والسلاح الأبيض.
و) طلب وقف إطلاق النار.
لجأت إسرائيل لوقف إطلاق النار الساعة الحادية عشرة، وهذا دليل كبير على أن قوات الجيش العربي التي واجهتها في المواقع الدفاعية كانت بحجم التحدي، وكانت المعركة بالنسبة لهم معركة وجود على الصعيد العسكري، أما على الصعيد السياسي فقد أصر الأردن، وعلى لسان جلالة الملك الحسين -طيب الله ثراه- على عدم وقف إطلاق النار طالما هناك جندي إسرائيلي شرق النهر، وهذا يكفي لدرء الظلم الذي أطلقه الكثيرون على الأردن وقيادته وشعبه وجيشه وسعياً لتجيير تلك المعركة، إذ كيف يستطيع من لا يسيطر على المعركة، ويتحكم بكافة مجرياتها أن يتحكم بقرار وقف إطلاق النار الأمر الذي يثبت، وبدون أدنى شك بأن معركة الكرامة كانت معركة الجيش العربي منذ اللحظة الأولى، حيث كانت قيادته العُليا تديرها وتتابع مجرياتها لحظة بلحظة، وإن عدم قبول جلالة الملك لوقف إطلاق النار دليل على امتلاك الأمر والسيطرة على مجرياته وعند ربط هذه الفقرة مع السابقة مقولة أن الجيش العربي دخل المعركة بخمس ساعات يؤكد كذبة المقولة، وينقضها من أساسها، إذ كيف تطلب إسرائيل وقف إطلاق النار، وهي حتى ذلك الحين لم تلاق الجيش العربي الذي خططت معركتها على أساس تقييم قدراتها المقابلة لها، وكيف يمكن لبلد لم تشترك قواته حتى ذلك الوقت المزعوم في المعركة أن يطلب وقف إطلاق النار لولا أن كان في معمعتها منذ انطلاق شرارتها الأولى، ويعلم تمام العلم كيف تسير المعركة لحظة بلحظة، وكيف أن قواته تسيطر عليها بحزم، وأن قيادته العليا كانت ترى النصر المؤزر قريبا، ويحتاج إلى صبر ساعة خاصة عندما أجهضت هذه القيادة وفوتت الفرصة على العدو لرفضها بوقف إطلاق النار، حيث أنها كانت ترى بثاقب بصيرتها وحنكتها ما يخطط له الإسرائيليون في محاولة منهم لوقف القتال دون الوصول لنتائج حتمية التي يرونها رأي اليقين أن النصر في هذه المعركة قد فاتهم، وأنه أصبح دون أدنى شك بيد الجيش العربي.
وعلى المدى الأبعد فإن ثاقب بصيرة القيادة يؤكد منذ البداية أن موضوع السيادة كان محسوماً على الأرض الأردنية، إذ لا يمكن لإسرائيل أن تطلب وقف إطلاق النار إلا من جهة مقابلة ذات سيادة ولها قرار سيادي وسياسي على أرض الواقع، ما ينفي بكل تأكيد ما ذهب إليه البعض في محاولة منهم لتجيير تلك المعركة، وغمط دور الجيش العربي فيها، فقد ذكر أحد قادة العدو قائلاً (لقد أصيبت جميع دبابتي على الأرض الأردنية ما عدا اثنتين).
ز) الإنزال الإسرائيلي في بلدة الكرامة.
إن عملية الإنزال التي قامت بها القوات الإسرائيلية شرقي بلدة الكرامة كانت الغاية منها تخفيف الضغط على قواتها التي عبرت شرقي النهر، بالإضافة لتدمير بلدة الكرامة خاصةً عندما لم تتمكن من زج أية قوات جديدة عبر الجسور، نظراً لتدميرها من قبل سلاح المدفعية الملكي، ما يدل بشكل قاطع على أن الخطط الدفاعية التي خاضت قوات الجيش العربي معركتها الدفاعية من خلالها كانت مُحكمة، وساهم في نجاحها الإسناد المدفعي الكثيف والدقيق إلى جانب صمود الجنود في المواقع الدفاعية وعمقها.
نتائج المعركة
أ. كانت معركة الكرامة نقطة تحول في تاريخ الأمة العربية الحديث، وفي تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، حيث طلب العدو، ولأول مرة، وقف إطلاق النار، وامتنع العدو بعد معركة الكرامة عن خوض أية معركة بالقوات الأرضية، واقتصرت معاركه على القصف الجوي والمدفعي، واستخدام القوات المحمولة جواً وهبوطها في الأماكن النائية والمعزولة، وتدمير بعض الجسور.
ب. على الصعيد السياسي، خسرت إسرائيل خسارة كبيرة، ووصمت بالعدوان، وتحول قسم كبير من الرأي العام إلى الصالح العربي، وظهرت موجات من التذمر في أوساط إسرائيل الداخلية الرسمية والشعبية.
ج. على الصعيد الاقتصادي، قُدرت خسائر إسرائيل بالملايين، حيث استخدمت أسلحة تعادل فرقة من الدروع والمدفعية والمشاة، وعدداً هائلاً من الطلعات الجوية والتي كلفت نفقات باهظة حالت دون تحقيق أي أهداف تذكر.
د. على الصعيد النفسي فشل العدو في تحقيق هدفه بتحطيم إرادة الجيش والشعب الأردني، بل جاءت النتيجة عكسية أن ارتفعت الروح المعنوية لدى الجيش الأردني والشعب في الأردن، وفشل العدو في المحافظة على معنويات قواته التي تعودت أن ترى نفسها دائماً منتصرة، وبذلك تحطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر.
ه. (الخسائر)
قواتنا الباسلة:
88 شهيداً، و108 جرحى، تدمير 13 دبابة و39 آلية مختلفة.
قوات العدو:
250 قتيلاً، و450 جريحاً، تدمير 88 آلية مختلفة، شملت 47 دبابة، و18 ناقلة، و24 سيارة مسلحة، و19 سيارة شحن، وإسقاط 7 طائرات مقاتلة.