إفلاس البنوك السريع.. هل تتساقط قطع (الدومينو)؟

جفرا نيوز


محمود مشارقة

انهيار ثلاثة بنوك أمريكية في أقل من أسبوع يثير علامات تساؤل حول متانة القطاع المصرفي في الولايات المتحدة ، وإمكانية تكرار سيناريو الأزمة المالية العالمية ، التي اندلعت شرارتها مع إفلاس بنك ليمان براذرز عام 2008.

 

موجة ذعر كبيرة في الأسواق العالمية اليوم ، وانكشاف لدول على البنوك الأمريكية المنهارة يظهر حجم الأزمة وصعوبتها .. بنوك تتداعى كالورق الذابل، والسبب طبيعة النظام المصرفي الذي يعاني من ثغرات ومصاعب أفرزتها سياسات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والزيادات المتتالية لمعدلات الفائدة لمكافحة التضخم منذ أكثر من عام.

 

وقبل الدخول في أسباب الانهيار المفاجئ لبنك سيليكون فالي وبنك سلفرجيت وبنك سيجنتشر اليوم، لا بد من الإشارة إلى أن السياسات النقدية الأمريكية والمعالجات للمشكلات الاقتصادية تحل أزمة لكنها تفتح أبواب جهنم على أزمات جديدة ، الحلول التي تمت تبدو قاصرة ، حيث دفعت الفائدة المرتفعة الاقتصاد إلى حالة ركود.

الزيادات السريعة في أسعار الفائدة حتما ستؤدي إلى اضطراب مالي، وهذا كان متوقعا لأن أي رفع لتكاليف الإقراض يعني تباطؤ الأسواق و حذر المودعين وتحفظ في التسهيلات المتاحة للمتاجرة بالأسهم والعملات والأدوات الاستثمارية الأخرى.

إفلاس 3 بنوك أمريكية بين يوم وليلة يثير فعلا الذعر ، ويؤكد أن اضطرابات الاقتصاد لا يمكن حلها بأدوات نقدية فقط مثل رفع الفائدة ، وإنما بوسائل أخرى تزيل مواطن التوتر وهيمنة البيانات والمتغيرات الجيوسياسية على الأسواق ، وهذا ينسحب على سلاسل الامداد وأسعار السلع والخدمات في السوق العالمية . الأمر يتخطى مواجهة التضخم إلى التأثير على أسواق التمويل والرهن العقاري والمشاريع القائمة على التمويل اللامركزي ، وهو ما يحدث في الولايات المتحدة هذه الأيام.

هل تنجح أمريكا في تفادي تساقط قطع الدومينو مع تزايد القلق بأن تؤدي الانهيارات الثلاثة إلى مزيد من الافلاسات في السوق المصرفية .. كل شيء وارد فالأزمة جرس إنذار بأن الاقتصاد الأمريكي ليس في صحة جيدة.

المصارف التي تستفيد من السياسة النقدية الحالية بزيادة صافي دخل الفوائد على القروض الممنوحة تبدو في مأزق اليوم ، وهناك مخاوف من المودعين على أموالهم التي تشغلها البنوك في الإقراض مثل حالة سيلكون فالي بنك (اس في بي) ، الذي واجه قبل إفلاسه عمليات سحب الهائلة من العملاء لأموالهم.

الأزمة الامريكية الحالية هي أزمة تأمين الودائع البنكية ، لأن نظام التمويل اللامركزي يسمح بالوصول إلى الأموال المودعة في أي لحظة وبدون وسيط، لكن بدون حماية الودائع ولا إشراف هيئات ناظمة.

هناك آلاف من الودائع غير المحمية في بنك سيلكون فالي المنهار والذي يحتل المركز السادس عشر بين أكبر البنوك الأمريكية بأصول قيمتها 209 مليارات دولار، وهذا يعني أن 96 % من المودعين فيه لن يتمكنوا من استعادة أموالهم.

وبحسب المؤسسة الاتحادية الأمريكية للتأمين على الودائع هناك مدخرات في بنك سيليكون فالي والبالغة 175 مليار دولار كانت غير مؤمن عليها حتى نهاية 2022. أي أن التصفية المنظّمة للمصرف ستسمح لكل زبون فرد باستعادة ما يصل إلى 250 ألف دولار فقط ، وهو المبلغ الأقصى الذي تضمنه المؤسسة الفدرالية لتأمين الودائع.

أمريكا خلال الأزمة المالية العالمية التي تسبب بها انهيار ليمان برذرز بنك ، وضُعت خطط إنقاذ لمستثمرين ومالكي بنوك كبيرة، لكنها اليوم أمام ودائع مستثمرين وأفراد تتبخر ، ولا حماية للودائع التي تفوق قيمتها عن 250 ألف دولار، ما لم تتدخل الحكومة الأمريكية للإنقاذ وضخ تمويلات قبل فوات الأوان.

هناك شركات صغيرة ومتوسطة توظف مئات الآلاف ستكون عرضة لخطر عدم القدرة على دفع رواتب موظفيها، نحن أمام أزمة لشركات التكنولوجيا التي تواجه أزمة تمويل وربما نظرية الدومينو تنطبق عليها ، فالمتوقع أن تشهد شركات التكنولوجيا الناشئة الأمريكية أزمة خلال أيام .

3500 من الرؤساء التنفيذيين والمؤسسين الذين يمثلون نحو 220 ألف موظف وقعوا على عريضة، تناشد وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين وغيرها من المسؤولين دعم المودعين، محذرين من تعرض أكثر من 100 ألف وظيفة للخطر. وهذا النداء يعطي للمتابع والاقتصادي تصور لحجم الأزمة المصرفية التي تعاني منها أمريكا اليوم وتداعياتها المحتملة محليا وعالميا .

الافلاسات الثلاثة قد تكون بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير للنظام المصرفي الأمريكي ، وقد تدفع " الفيدرالي" الذي يجتمع ممثلوه الثلاثاء والأربعاء إلى وقف زيادات الفائدة وإنما التفكير في خفضها كجزء من خطة الأنقاذ للنظام المصرفي المتعثر .. إننا أمام بنوك تبدو كأبراج من ورق تتساقط في ساعات وبلا مقدمات .. إنها الرأسمالية الأمريكية في صورتها غير الناصعة.