الأردنية ومئوية ناصر الدين الأسد

جفرا نيوز

د. مهند مبيضين



احتفلت كلية الآداب يوم أمس الثلاثاء بمئوية العلامة المحقق «احمد» ناصر الدين بن محمد بن احمد بن جميل الأسد، الذي ولد عام 1922، في العقبة، وهذا الاحتفاء بقامة اردنية عربية هو جزء من مسؤولية الجامعة التي تبديها اليوم نحو رجالات الفكر والعلم، واصحاب السّير العلمية التي شكلت تاريخها وبنت سمعتها العلمية، وتجاوز عملها وأثرها محيطها ومحيط الاردن.
لن نعيد هنا سردية حياة الأسد كاملة، فالراحل ذو سيرة كبيرة وغنية، جمعت بين الطالب الفذ والاستاذ الجزل الثقافة والإداري الانسان، والمثقف المعتدل، والعروبي الإسلامي الذي آمن بخيار الوحدة والتقدم، وهو الرجل الذي نشأ على حب البادية، فاكتسب منها النقاء والأريحية، واخلاق الكرام، لكننا نذكر بشيء من سيرة الراحل وآرائه.
تلقى الاسد اليُتم مبكرا، إذ توفيت والدته عام 1936م، ثم والده عام 1357هـ/ 1939م وهو في السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية المتوسطة في عمان، فوجد نفسه أمام مسؤوليات جديدة، فاضطر إلى العمل بعض الوقت، فعمل كاتبا في ديوان قاضي القضاة، وفي المحكمة الشرعية.
ثم التحق بالبعثة الدراسية في الكلية العربية بالقدس لاستكمال المرحلة الثانوية، واستطاع من خلال الدراسة في رحابها تكوين معرفة عميقة بالتراث الفكري والأدبي. وفيها تعلم المنهج العلمي، والأسلوب الموضوعي في البحث.
بعد تخرجه منها عام 1362هـ/ 1943م، عاد إلى عمان، وامتهن التدريس في مدارسها، وغادرها إلى القاهرة في العام التالي ملتحقا بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة الآن)، ولأنه كان من خريجي الكلية العربية التي كانت السنتان الأخيرتان فيها تعدان دراسة جامعة أولية، فقد أعفي من السنة الجامعية الأولى، والتحق بالسنة الثانية بقسم اللغة العربية، وكانت القاهرة حينذاك محجاً لأهل العلم والأدب.
ولهذا تهيأ له في هذه المرحلة التعرف إلى رواد كبار، أمثال العقاد وطه حسين وأمين الخولي وشوقي ضيف، وبعض هؤلاء تتلمذ على أيديهم، وحظي بعنايتهم وصداقتهم، واكتسب من روحهم ما ساعد على إنضاج تجربته، وصقل قدراته، وإغناء معرفته، كما كان له شرف صداقة العلامة محمود محمد شاكر.
تخرج في قسم اللغة العربية عام 1366هـ/ 1947م، ولأنه كان الأول فقد منح جائزة الدكتور طه حسين لأول الخريجين بقسم اللغة العربية من جامعة القاهرة. وقد عانى ناصر الدين خلال سنوات دراسته عسر الحال وضنك العيش، واضطر أن يعمل طول دراسته الجامعية، فعمل حينا مترجما لهندي جاء يعد الدكتوراة في القاهرة، ومعه كتاب ديني طلب منه أن يترجمه له إلى العربية، ويقوم بالتعليق عليه ليكون رسالته الجامعية، وعمل حينا مراسلا لجريدة (الوحدة) التي كانت تصدر في القدس، وكانت تضم له في العدد الواحد أحيانا ثلاث مقالات ينشرها بأسماء مستعارة.
عمل الأسد بعد تخرجه مدرسا في المدرسة الإبراهيمية بالقدس، وقدم برنامجا إذاعيا من الإذاعة العربية لمحطة الشرق الأدنى بعنوان «حديث الصباح»، ثم سنحت له فرصة عمل في ليبيا ثم خف إلى القاهرة عام 1368هـ/ 1949م لدراسة الماجستير، والتدريس في المدرسة الإنجليزية بمصر الجديدة، وحاز الماجستير من كلية آداب جامعة فؤاد الأول عام 1370هـ/ 1951م على أطروحته (القيان والغناء في العصر الجاهلي)، وظل يدرس في المدرسة الإنجليزية حتى عام 1373هـ/ 1954م، ثم فاز بالدكتوراة بتقدير ممتاز من جامعة القاهرة عام 1374هـ/ 1955م على أطروحته (مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية) وهو أول أردني نال الدكتوراة من جامعة القاهرة.
العروبة والإسلام عند الأسد أمران متلاحمان، حتى إنهما يكادان يكونان أمرا واحدا، ولا يجوز اصطناع الخصومات المفتعلة بين الإسلام والعروبة، وأنا أعتقد أن كل مسلم هو عربي، على الأقل من ناحية الثقافة واللغة، لقد جاء في كتاب الله عز وجل {بلسان عربي مبين} (الشعراء: 195)، وأي مسلم يستهين بالعروبة يجرح إسلامه في جانب من الجوانب؛ لأنه يعترض على ما ورد في كتاب الله عز وجل.
ختاماً، هناك اهتمام اليوم لدى المثقفين في ليبيا للكتابة عن تجربة الأسد في تأسيس الجامعة الليبية، وقريبا ستصدر مذكرات الهادي مصطفى أبو لقمة وكيل الجامعة الليبية بين عامي 1969-1973 التي تذكر الكثير عن دور الأسد وعمله في ليبيا.