وللأردنيين"قضية "يدافعون عنها

جفرا نيوز


حسين الرواشدة

هل لدى الأردنيين "قضية أردنية "يؤمنون بها، ويحشدون طاقاتهم من أجلها، ويدافعون عنها، ثم يربطون بها كل ما عداه من قضايا وعلاقات و اهتمامات، بحيث تصب في رصيدها، وتشكل روافع للمصالح العليا للدولة المفترض أن تقع في صميم هذه القضية ؟
الإجابات المتوفرة، سواء في سياقات" أجندة "بعض الأحزاب التي تخرج للاحتجاج بالشارع، او الندوات العامة، او في مقالات العديد من الكتاب والمحللين بمعظم وسائل الإعلام، أو في خطابات النخب التي تتصدر المشهد السياسي، تشير بوضوح إلى أن بعض الأردنيين (النخب تحديدا ) مشغولون بقضايا وأولويات أخرى، وأن القضية الأردنية تأتي بالمرتبة الثانية، أو ربما الثالثة، هذا إذا حضرت أصلا، فيما يزدحم سوق المزايدات السياسية بالتهوين من مواقفنا تجاه أي قضية للاشقاء.
اما لماذا ؟ فلأن المطلوب منا، وحدنا، ان لا تكون لنا قضية تخصنا، وأن نصب ونفرّغ كل امكانياتنا لقضايا الآخرين، وإلا فإن الاتهامات بالتقصير جاهزة، وربما ما هو أسوأ من ذلك.
أدرك تماما أن بلدنا تأسس على قاعدة "عروبية "، وأن امتداده التاريخي والحضاري يفرض عليه الحركة في إطار عربي وإسلامي و إنساني، أدرك، أيضا، أن القضية الفلسطينية شكلت عصب المصلحة الأردنية، والوجود الأردني، وأن المقدسات الإسلامية والمسيحية في ضمير كل أردني، وأن التهديد الصهيوني لبلدنا قائم ومستمر، أدرك، ثالثا، انه لا مصلحة لنا باستعداء أي طرف عربي او إقليمي أو دولي، وأن الحفاظ على عمقنا الاستراتيجي يستوجب إدارة علاقة احترام متبادل مع الجميع.
هذا لا يعني أبدا، ولا يتعارض، مع ضرورة وجود قضية اردنية تشكل جامعا ومشتركا لكل مواطن أردني، وتقع في صلب انتمائه لبلده، بحيث تستمد كل قضايا الآخرين بالنسبة لنا، أهميتها ومشروعيتها، من نقطة واحدة، هي المصلحة الأردنية، فبمقدار ما تتحقق هذه المصلحة يكون الحكم على الإنجاز والتوافق عليه، وبمقدار ما تخفق إدارات الدولة في ذلك يكون النقد والاحتجاج واجبا وضرورة.
اما حين يتم كل ذلك خارج إطار القضية الأردنية، وبعيدا عن حساباتها، ولمصلحة قضايا أخرى، فإن اي اتهام للأردن، او مزايدة على مواقفه، يقع في دائرة المحرم الوطني والسياسي، إذ لا يمكن أن نتصور مواطنا اردنيا ينتمي للأردن على الحقيقة، يقدم مصلحة أو قضية أي طرف، مهما كان، على بلده الذي ينتسب إليه، فكيف إذا لم يتورع باتهامه وتجريحه والتشكيك بمواقفه، لمجرد انه تحرك سياسيا باتجاه لا يتوافق مع ارتباطاته الشخصية، أو ميولاته السياسية ؟
الأردنيون، بتاريخهم وطبائعهم ومواقفهم، ليسوا عنصريين، ولا يوجد دولة عربية استقبلت، مثلما فعل الأردن، ملايين الأشقاء الذين تم تهجيرهم من بلادهم، وفي داخل كل أردني ضمير عربي وإسلامي يتحرك كلما داهمت مصيبة أو كارثة إنسانا عربيا و مسلما، بل ومهما كانت جنسيته.
لا أحد يستطيع أن يزاود على الأردن في هذا المجال أو غيره، لكن من حق هذا البلد أن يكون له قضية وطنية، وأن يكون فيه مواطنون أردنيون يؤمنون به، تاريخا وحاضرا ومستقبلا، ومن حق هذا الشعب الذي ضحى بدماء أبنائه، وما يملكون، من أجل الدفاع عن قضايا امتهم، أن ينصفه الأقربون ( دعك من الابعدين)، وأن يقدّروا مصالحه وظروفة ومواقفه، فلقد تعب الأردنيون حقا من المزايدات والاتهامات، ومن جحود الذين يلقون حجارتهم في البئر الذي حفروه لسقاية اخوانهم القادمين من كل مكان.