العائد الاجتماعي للوظائف
جفرا نيوز - كتب - اسماعيل الشريف
ليس المهم أن نُكافَأ على أعمالنا في الحياة، بل أن يصح القول عندما نترك الحياة: لقد عملنا ما استطعنا عمله»، لويس باستور، مكتشف لقاح الجمرة الخبيثة.
كل وظيفة لها أثر اجتماعي قد يكون تأثيرها على المجتمع سلبًا أو إيجابًّا، ويحاول العلماء قياس هذا العائد أو الأثر، فمقابل كل دينار تحصّل من الوظيفة هنالك دنانير تعود بفوائد على المجتمع، أو مضار يدفعها المجتمع.
تداولت وسائل الإعلام قبل فترة تصريحًا للسيد سامح الناصر -رئيس ديوان الخدمة المدنية قال فيه: سيتم إجراء دراسة كَمية وموضوعية لوظائف الخدمة المدنية، تؤسس لمرحلة جديدة عنوانها: تحقيق العدالة في الرواتب والامتيازات الوظيفية، بعد تحليلها تحليلاً عميقًا وتحديد مكوناتها.
في عصرنا هذا، الفوز معناه أن تصبح غنيًّا، فالهدف من الحياة هو امتلاك منزل فخيم وسيارة جميلة، وسفر على الدرجة الأولى، وإجازات في فنادق الخمس نجوم، وملابس من أرقى دور الأزياء.
في عصر السطحية هذا لن يُسأل أحد: من أين جاء بكل هذا المال؟ أو ما الذي تقدمه وظيفته للمجتمع؟ ولن يلتفت غالبًا هذا الفائز وهو يحتفل بفوزه إلى الدمار الذي أحدثه أو عشرات التعساء الذين تركهم خلفه.
تعلّمنا أن روح الاقتصاد هو إنتاج السلع والخدمات، ثم توزيع هذه السلع والخدمات لتلبية احتياجات الناس، والهدف النهائي هو تحقيق الازدهار للمجتمع.
في عصر السطحية هذا اختفت فكرة الرخاء المشترك، فالهدف هو الحصول على أضخم مبلغ من المال، حتى لو كانت تلك الوظيفة قيمة مساهمتها الاجتماعية صفر، وبشكل عام من يكسب أكثر فإن فائدته الاجتماعية أقل.
توضح مؤسسة الاقتصاد الجديدة New Economics هذه الفكرة التي تتحدث عن علاقة ما يكسبه الناس مقابل مساهماتهم الاجتماعية التي يصنعها عملهم، فمثلاً يكسب المؤثرون (الإنفلونسرز) آلاف الدنانير، توفر لهم حياة كريمة ومكانة اجتماعية رفيعة، ومع كل دينار يولدونه فإنهم على الجانب الآخر يهدرون مقابله دنانير أخرى في القيمة الاجتماعية، كذلك مدراء الإعلان الذين يحثون الناس على الاستهلاك، فكل دينار يولدونه هنالك خسارة اجتماعية على الجانب الآخر؛ وكمثال واضح، فمدير التسويق في شركة تبغ مقابل كل دينار يأخذه هنالك دنانير تضر المجتمع، في أقلها إهدار المال ثم الأمراض.
لا أحد يتقاضى راتبه بناءً على مقدار القيمة الاجتماعية التي توفرها وظيفته، بل مقدار الثروة التي تولدها هذه الوظيفة لأصحاب المصالح. فكر في وظائف مثل المصرفيين أو المسوقين، أو كمثال صارخ – الخرمنجي – في مصانع التبغ، الذي يتأكد من مطابقة النكهة، وعلى الجانب الآخر نرى وظائف قيمتها الاجتماعية مرتفعة جدًّا ورواتبهم لا تتناسب أبدًا مع العائد الاجتماعي المرتفع لهذه الوظائف، منها الممرضون الذين يحافظون على حياتنا، ثم باختلالات أكبر عمال النظافة في المستشفيات، ولولاهم لانتشرت الأمراض، وينطبق ذلك على عمال الوطن وطوافي الغابات... ومئات الوظائف الأخرى.
ماذا لو قرر أحدهم التفرغ لرعاية منزله والإشراف على أولاده، سيُنظَر إليه بأنه كسول وعالة على المجتمع، مع أن وظيفته هذه عائدها الاجتماعي مرتفع!
في كتاب وظائف الهراء Bullshit Jobs، A Theory يعرّف الوظائف التي لا قيمة اجتماعية لها بوظائف الهراء، وهي الوظائف التي لا طائل منها أو غير ضرورية، أو ضارة لدرجة أنه حتى شاغلها لا يستطيع تبرير وجودها، وأن جوهر عمل الهراء أنه لو تم إلغاؤها فلن يحدث أي فرق ملحوظ.
أتمنى لو يتم الأخذ بالعائد الاجتماعي للوظائف عند تحليل الرواتب في دراسات مؤسسة الخدمة المدنية.