«المفتول»!

جفرا نيوز - كتب - ناجح الصوالحه

أعادني صديقي أيمن رباع إلى بداية الثمانينات لأتذكر شيء من عمق ذاكرتي, في بيته والده ووالدته قادمين من محافظة اخرى ولفرحته جهز لهم غذاء ريفيا تقليديا من الأكلات الفلسطينية التي أتمنى من كل أم أن تعلمها لبنـاتها، الأكلة هي "المفتول" أصر عليّ أن أذهب معه لتناول هذه الأكلة المميزة في تاريخنا, اعتذرت لحبي له لتكتمل طقوسهم في الضيوف والأكلة التي أصبح نادرا أن يذكر أسمها في أيامنا هذه التي تسيد الطعام الجاهز على موائدنا.

قبل أن يذهب لمنزله ويشبع لهفته بوالديه أعدته معي إلى بداية الثمانينات, جارة لنا لن ننساها السيدة الفاضلة "أم محمود النشاش" في منطقة ديرعلا, يطرق باب منزلنا وكانت ابوابنا متهالكة كظروف معيشتنا في تلك الأيام, واذ بجارتنا "ام محمود" ومعها طبق لم نكن نعرفه في تلك اللحظة وبعد حديث بين أمي رحمها الله وجارتنا اعلمتها ان هذه الأكلة اسمها "المفتول", للآن صورة الطيــبة جارتنا وكنا نعتبرها كخالة لنا وطبقها مرسوم في مخيلتي, سردت لصديقي كيف كنا في تلك الســنين, نحب بعضنا والله ولا نفرق بين بعضنا البعض, مجلسنا واحد ?طعامنا واحد وبعض الاحيان تكون ملابسنا لبعضنا والكرة هي ملك لجميع ابناء الحي لعدم مقدرة البعض شراء كرة، كان الهم يتعبهم واي ظرف صـحي او مادي ينشغل به الجميع, لم نكن نعي خباثة بعض من له غاية في رسم حدود بالكلمات واللهجات واللباس والحزن, كانت احتياجات الأسر مسموعة لجميع الجيران لأن الابواب والشبابيك مفتوحة, الابن الذي يحتاج مصروفه ولا يتوفر مع امه تكون الفزعة ممن تمتلك بعـــض القروش, وقد حدثت معي أن أمي رحمها لم تجد لي مصروفا، أبكاني ذلك الأمر، وأجبر جارة لنا أن تؤمنني بقرشين اذكرهما جيدا.

أي أسرة تواجه مشكلة، الجميع يسعى للبحث عن حل لها، ويبقى السؤال والاستفسار إلى أن يطمئن الجميع أنه قد حلت وارتاح صاحبها، في تلك الأيام حبنا لبعض نابع من قيمنا الأصيلة وليس القيم الفارغة المسـتهلكة في هذه الأيام, التي عنوانها المصلحة والحقد والحسد, لهذا تجد أننا جميعا نبحث عن ذكريات تلك الايام لانها كانت تعطينا الحب والشعور مع الجار والنقاء والـصفاء في العلاقات والإخلاص في النصيحة, بيوتنا ابوابها مفتوحة نادرا ما تجد الباب مـغلقا لأن الجلسـات والحكايات تسرد أمام البيوت, كانت كاسة شاي تجتمع كل نساء الحي عليها? فرقتنا الظروف وبعض الجـيران من انتقل لمحافظات ومناطق بعيدة يبكي بحرقة على تلك الأيام, من يعيد لنا ذاك الزمان او بعضه؟.