(الثقافة و الحارة )

جفرا نيوز 
 

الدكتورة حنين عبيدات

الفن عبارة عن رسالة و وسيلة بيان و آلية لمعالجة القضايا و طرح الحلول إن كان على المستوى السياسي و المجتمعي و الطبي و الثقافي و في مجالات عديدة ، و هو عبارة عن وسيلة بيان للتاريخ و الحضارة و الرموز البشرية التي كان لها دور في بناء الأرض و نشر الثقافة و غير ذلك ، و هذا ما تعلمناه و تعايشناه مع الدراما العربية التي حاولت قدر الإمكان الحفاظ على ثقافة المجتمعات العربية ، و عرض التاريخ و الحضارة العربية بطريقة غذت فكر المواطن العربي و عززت أفكاره و متعتقداته و ثقافته ، و رسخت ما قرأناه و عرفناه عن الرموز العربية القديمة و الحديثة ، و وثقت أحداثا سياسية تاريخية و حديثة ، و عالجت قضايا ثقافية و مجتمعية عديدة .
اتجهت المجتمعات العربية مؤخرا إلى المتابعة الحثيثة لما تعرضه الدراما العربية من قضايا و التمحص في طريقة عرضها و تفاصيلها ، و أصبحت المجتمعات تشجب و تستنكر ما يخرج عن نص الذوق العام و يقلل من قيمة المجتمع العربي ، و حقق ذلك نجاحا في مواطن كثيرة بإفشال محتوى القضية وطريقة عرضها ، و انتقاد الشخصيات انتقادا لاذعا؛ و ذلك قلل من رصيدهم الفني و احترام فئات متعددة من الجمهور.
و مثال على ذلك ،
فيلم أميرة ، من انتاج و سيناريو مصري و تجسيد أردني ، فلسطيني إذ كانت بطلة الفيلم الممثلة الأردنية صبا مبارك ، و كانت تدور قصة الفيلم حول الأسرى الفلسطينيين و زوجاتهم و تشويههم بطريقة بذيئة و سيئة ، و قد لاقى الفيلم غضبا عربيا عارما ؛ لأن المشاهد العربي وجد فيه انتقاصا ذاتيا و مجتمعيا و تشويها للقضية و للمقاومة الفلسطينية ، و قد كان مرشحا لجائزة الأوسكار و لكن الدولة الأردنية أوقفت ترشيحه ، و تم ايقاف عرضه .
و في مثال آخر ، في فيلم أصحاب و لا أعز من بطولة المصرية منى زكي و الأردني اياد نصار ، فقد كان الفيلم يطرح قضايا مجتمعية بتجرد كامل دون مراعاة لثقافة المجتمع العربي ، و قد كانت طريقة العرض مبتذلة جدا ، حتى رفضه الشعب المصري أولا ، و من ثم الشعب العربي ، و اضطر بعض الممثلين في الفيلم للتصريح بأنهم نادمون على تمثيلهم فيه ، و قد تم ايقاف عرضه ..
من حق المجتمعات العربية أن تدافع عن ثقافتها و ثقافة الأجيال الحالية و اللاحقة ، لأن المسلسلات و الأفلام من إحدى الوسائل التعليمية و التثقيفية التي تهدم المجتمع أو تبنيه .
أما الدراما الأردنية ، و التي أصبحت لا مكان لها في الدراما العربية بعد أن كانت منافسة جيدة ، و تم ركنها جانبا و ربما هدمها دون أسباب معلنة و معروفة ، مع أننا كأردنيين تهمنا أي وسيلة تجذب السياحة و الإقتصاد و تعزز التبادل الثقافي بين الدول العربية و العالم .
الأردن مليء بالتاريخ الكبير و الرموز العظيمة التي سطرت تاريخا مجيدا للأردن ، و هناك مواقف وقضايا تاريخية وحضارية قديمة و حديثة عاشها الأردن في حقب عديدة ، و تعاقب عليه حضارات و ممالك عديدة ، و تطورت الحياة السياسية و المجتمعية و الثقافية للأردن تدريجيا مع مجتمع أردني عربي مثقف ، السؤال هنا ؟
لماذا لم تتطرق الدراما الأردنية لما ذكرته سابقا ، و تنشيء لذاتها قيمة فنية غنية مع وجود كتاب أردنيين كبار رسخوا في ذاكرة المشاهد العربي ، كالدكتور وليد سيف ، و الدكتور جمال ابو حمدان و غيرهم من الكتاب الأردنيين الهامين ، و لكن يبدو أن الدراما الأردنية في مأزق كبير لا نعرف ما هي الجهة المسؤولة عن ذلك ، و هذا المأزق يترجم بطريقة سيئة من خلال أفلام و مسلسلات تعرض على منصات عالمية ، فهل يعقل أن نظهر من المجتمع أسوأ ما فيه و نعرضه على الشاشات في حين أن الجانب الإيجابي من المجتمع لا نحاول عرضه ؟ لماذا يتم تشويه المجتمع الأردني و اظهار ثقافته بأنها ثقافة بالية دونية لا أساس لها ، و على أنها ثقافة مكتسبة و ليست أصيلة متراكمة من الحضارات المتعاقبة ، و لماذا تقوم الجهات المسؤولة باستغلال عدم وجود الدراما الأردنية على الساحة العربية و اظهار المجتمع الأردني بأنه مجتمع جاهل و غير مثقف و لا حول له ولا قوة ؟
عرض في هذه الأيام على منصة عالمية فيلما أردنيا (الحارة) ، و قد تخلل مشاهده شتائم و ألفاظ نابية شنيعة و قبيحة موجودة عند فئات مجتمعية و غير موجودة عند الأخرى و ذلك بناء على الهرم الثقافة التراكمي عند فئات المجتمع .
الدراما رسالة هادفة تقدر الفرد و المجتمع و لا تعني تحقير المجتمع و اظهاره مبتذلا من خلال عرض الشتائم و الإهانات على الشاشات و إجبار المشاهد على تقبلها و التبرير لها بأنه يسمعها في كل مكان ، فهذا كارثة ، لأن الأجيال مع الوقت و بوجود هذا النوع من الدراما سوف تتقبل السوء و الدونية و الابتذال دون ردة فعل ، و هذا يفضي إلى خراب المجتمعات و تدميرها .
و لكن ما هي الجهات المسؤولة عن تمييع المجتمع الإردني ؟ و ما هي الآلية الممنهجة التي تسعى لخراب المجتمع الأردني قاصدة متقصدة ؟ و ما الهدف من إظهار المجتمع الأردني بهذه الطريقة غير اللائقة ؟
نريد أجوبة لأسئلة مشروعة كي نحافظ على ارثنا الأردني و ثقافتنا الأردنية العربية .