هدوء حكومي غير مفهوم في مواجهة أزمة وجودية .. "المياه"

 المشاريع الحالية والمستقبلية "تُسكّن" وجع شح المياه ولا تعالج جذور الأزمة
الأردن مطالب بضغط دبلوماسي وربما أمني لضمان حصته من مياه نهري "الأردن واليرموك"

جفرا نيوز-خاص-عمر المحارمة

رغم كارثية التحذير الذي أطلقه البنك الدولي حول أزمة المياه في الأردن، إلا أن الدوائر الحكومية في الاردن لا تبدي قلقا يتناسب مع مستوى التحذير الذي أطلقه البنك الدولي، ولا يبدو أنها تحرك ساكنا لإطلاق مبادرات جريئة لمواجهة هذا التحدي.
تحديات الأمن المائي في الأردن واضح ومعروفة الا أن الوصف الذي إستخدمه البنك كان مبعثا لمزيد من القلق حين قال أن الأردن يواجه "تحدي وجودي" بسبب أزمة المياه.

التحديات الوجودية تستنفر بالعادة كل أجهزة الدول وإمكاناتها لمواجهتها حتى لو استدعى الأمر أحيانا التدخل العسكري وإشعال الحروب، فالقصة "أن تكون أو لا تكون" وعند هذه المرحلة يجب وضع كل الأمكانات في مواجهة هذا التحدي.
المسكوت عنه في ملف المياه هو صمت الأردن عن حقوقه لدى دول الجوار، وعلى وجه التخصيص سوريا و "إسرائيل" فالاولى لم تلتزم منذ توقيع اتفاقية نهر اليرموك عام 1987 بتسييل حصة الاردن المتفق عليها والبالغة 400 مليون متر مكعب، ولم تتوقف عن اقامة السدود وحفر الابار التي تؤثر على حقوق الاردن من مياه اليرموك ومن الاحواض المائية المتداخلة بين حدود البلدين.
حيث سوريا تحتجز مياه النهر ببناء (42) سدا، بالإضافة إلى حفر الاف الآبار ، وهي تخالف الاتفاقية مع الأردن التي حددت بناء (25) سدا بسعة (159) مليون متر مكعب في الجانب السوري .

تعديات الاحتلال الاسرائيلي متعددة وتبدو كأخطبوبط مد يده نحو كل مصادر المياه الأردنية وأعتدى عليها دون أن يواجه أي رادع، فقد استطاع الاحتلال سرقة مياه نهري اليرموك والأردن منذ 1964 من خلال نهر اصطناعي يتكون من أنابيب عملاقة تمتد من طبريا الى النقب، مما اثر على منسوب مياه نهر الأردن وأدى الى نخفاض منسوب البحر الميت، ولا تتوقف الاعتداءات الاسرائيلية عند هذا الحد بل تمتد الى المياه الجوفية لحوض اليرموك وحوض الغمر والتي تتعرض لاعتداء جائر، 
عدا عن ضخ مخلفات المياه في مجرى نهر الاردن مما يؤدي الى تلوثه بشكل مستمر.

ورغم عدم التزام دولة الاحتلال ببنود اتفاقية وادي عربه-ملحق المياه رقم 11- وامتناعه في كثير من الاحيان عن ضخ حصة الاردن المتفق عليها من مياه بحيرة طبريا، وأحيانا ضخ مياه عادمة بدلا من المياه الصالحة الا أن الاردن ملتزم بضخ 12 مليون شتاءا و13 مليون صيفا من مياه حوض اليرموك الى إسرائيل رغم أن هذا الحوض لا تقع أي أجزاء منه داخل الأراضي المحتلة عام 1948.

عدم التزام دول الجوار باتفاقيات المياه المشتركة والتغول على حصة الأردن من تلك المياه تسبب بتراجع كبير في مصادر المياه من نهري اليرموك والأردن الذان يعدان المصدر الوحيد للأردن من المياه الجارية وهذا هو السبب الرئيس لتدهور الوضع المائي في الأردن وتفاقم الأزمة عاماً بعد عام، ورغم هذا فإن الأردن لم يرفع صوته في وجه هذه الاعتداءات بشكل كاف يدرك حجم وعمق أزمته.

من المعلوم أن الأردن يعدّ ثاني أفقر دولة في العالم بالمياه –وفق المؤشر العالمي للمياه- إذ تشير بيانات وزارة المياه والري و موقع منظمة الأمم المتحدة إلى أن موارد المياه المتجددة في الأردن أقل من 100 متر مكعب للفرد، وهي كمية "أقل بكثير من حصة الفرد عالمياً، والتي تبلغ 500 متر مكعب، وهو ما يشير الى نقص شديد في المياه" خصوصا مع ارتفاع نسب النمو السكاني والضغط الذي يعاني منه الأردن على بناه التحتيه وموارده الطبيعية بفعل استقباله لموجات نزوح ولجوء متتالية من دول الأقليم التي تعاني أزمات أمنية وسياسية.

التقرير الصادر الذي حمل عنوان "المناخ والتنمية الخاص بالأردن"، أكد حاجة الأردن لضمان الأمن المائي والطاقة والغذائي كجزء من تنميتها، معتبرا أن التأخير في مواجهة الحقائق المناخية سيزيد من تفاقم تحديات التنمية في الأردن لافتا الى ضرورة وضع الطاقة والأمن الغذائي في مسارات تتكيف مع حقيقة شح المياه.

ولفت التقرير الى أثر تغير المناخ على تفاقم شح المياه وارتفاع الطلب عليها مشيرا الى أن فرص زيادة إمدادات المياه في الأردن قليلة ومكلفة في إشارة الى مشروع "ناقل البحرين"، معتبرا أن الخيار الأمثل آنيا يتمثل زيادة إمدادات المياه باشرائها من دول أخرى رغم أن ذلك سيبقي الأردن تحت وطأة الظروف السياسية.

وشدد التقرير على حاجة الأردن لاتخاذ إجراءات صارمة بشأن كفاءة استخدام المياه، والعمل على استقرار الاستدامة المالية لقطاع المياه، لافتا الى أن خريطة "الاستدامة المالية”، تشمل الخفض المنهجي للفاقد المائي من 53 % إلى 25 % بحلول العام 2040، إلى جانب إدخال تحسينات الكفاءة، وتحويل أحمال الطاقة.

واقترح التقرير اتخاذ مزيج من تدابير السياسات، لمعالجة الآثار السلبية لزيادة ندرة المياه، داعيا إلى الاستثمارات للتكيف مع انخفاض توافر المياه دون زيادة الضغط على قطاع الطاقة؛ والاستثمار في تخزين الطاقة المائية بالضخ، وإدخال سياسات القياس أو الفوترة الصافية "الذكية”، وتسريع تأهيل البنية التحتية للشبكات الذكية.

وقال التقرير إنه ورغم أن التأخير في مواجهة تغير المناخ يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التحديات الإنمائية في الأردن، فإن التنمية المراعية للمناخ؛ يمكن أن تقلص أوجه عدم المساواة، وتحمي سبل كسب العيش، وتعزز التماسك الاجتماعي.
أزمة المياه في الأردن بمثابة وجع مزمن، تحاول وزارة المياه تخفيف أعراضه لكن حتى اللحظة لا أحد يمتلك رؤية واضحة لمعالجته بشكل جذري مع وجود أسباب كبيرة لهذا الوجع تتجاوز الأردن والأقليم كالتغير المناخي وتراجع الهطول المطري، وأخرى ترتبط بمعضلات سياسية كبيرة كاستمرار الاحتلال الاسرئيلي لفلسطين الذي كان قد عمد الى تحويل روافد نهر الاردن، وعدم تعاون سوريا في ملف نهر اليرموك وحجم تدفق مياهه نحو الأردن.

وفق دراسات عدة فإن المياه المتوفرة في الأردن تكفي شريحة سكانية بين 3-4 مليون شخص فقط في حين تجاوز سكان المملكة الـ 10 ملايين وهو ما دفع الأردن على تنفيذ عدة مشاريع لسد العجز المائي وزيادة حصة الفرد، ومن أبرزها مشروع "الديسي"، الذي تبلغ كلفته مليار دولار، ومشروع "ناقل البحرين" الذي يستهدف تحلية ونقل مياه البحر الأحمر والذي بقي معطلا لسنوات بسبب الكلفه العالية والذي يعد الخيار المائي الاستراتيجي للأردن رغم كلفته المالية والتقنية العالية.

ولدى الأردن خطط قائمة منذ عقود لسد العجز في المياه، إذ وسعت وزارة المياه خطط جمع مياه الأمطار من خلال بناء سدود جديدة، ورفعها إلى 285 مليون متر مكعب، وإيجاد مصادر إضافية ورفع كفاءة الاستخدام خاصة في قطاع الزراعة.
وتضغط أزمة المياه على المياه الجوفية، التي تعرضت لضخ جائر وباتت تلك المياه قريبة من الاستنزاف حيث تشير بيانات الوزارة الى خطر استنزاف 11 حوضاً مائياً من أصل 12 موجودة في الأردن.

مدونة "نيو سكيوريتي بيت"، التي ينشرها "مركز ويلسون سنتر" الأميركي بعنوان نشر تقريرا تحت عنوان "تجنب الأزمات في مستقبل المياه بالأردن"، قال فيه أن الأردن يواجه بحلول عام 2100 انخفاضاً في مستويات المياه الجوفية بنحو 60% في المحافظات الشمالية المكتظة بالسكان، بينما ينخفض متوسط تدفق المياه السطحية بنسبة 25% بحلول نهاية القرن.

هذه التحديات وما تضمنته التقارير المذكورة تضع تحدي كبير أمام الأردن يتوجب أن يكون موجدودا على طاولة البحث باستمرار أمام صانع القرار خصوصا وأن كل الحلول والمشاريع المطروحة لن تقضي على المشكلة بل ستسكن أعراضها لفترة تطول أو تقصر، والحل النهائي رهن بأكثر من عامل أهمها السيطرة على الازدياد المضطرد في عدد السكان وترشيد استهلاك المياه، وكذلك أن يجد الإنسان الأردني نفسه في مواجهة مستمرة مع سؤال وجودي: ماذا أستطيع أن أعمل لاسترضاء الطبيعة وتكييف الموارد.