مبادرة ملكية بتخفيض أسعار الكاز وسط الصقيع والبرودة الحكومة تستجيب
جفرا نيوز
قد لا يتعلق الأمر بإحراج الحكومة ة سياسياً بقدر ما يتعلق بدخول ملكي مرجعي على خط الاشتباك في مسألة أسعار المحروقات، قدم مساهمة فعالة عملياً لتغذية مسار التهدئة العامة في الحالة المحلية.
أصدر الملك عبد الله الثاني صباح الاثنين، علناً، توجيهاً للحكومة بعد سلسلة لقاءات مع الفعاليات الشعبية يقضي بتجميد الضريبة على مادة الكاز تحديداً في فصل الشتاء الحالي، في خطوة جراحية ومرجعية تقدم بالنتيجة إطاراً رحيماً بقرار ملكي يخفف من انفعالات المواطنين وتساؤلاتهم الحائرة وسط حالة الصقيع والموسم الشتوي البارز.
استجابت الحكومة فوراً، وبعد خصم الضريبة على صنف واحد من المحروقات ارتاح الرأي العام عموماً، وتمكن بالموجب المواطن الفقير أو ذو الدخل المحدود من الحصول على مساعدة ولو جزئية تخص مادة المحروقات الأكثر رواجاً، خصوصاً عند غالبية ساحقة من الأردنيين وفي فصل الشتاء. عملياً، كلفة تجميد مادة الكاز الرقمية تؤدي إلى حرمان الخزينة من 17 مليون دينار فقط من الواردات الضريبية، وهو رقم ضئيل وصغير جداً يمكن تدبيره بمناقلات بين بنود الميزانية، الأمر الذي يعني مجدداً بروز نفس المفارقة التي تقول بأن توجيهات القصر الملكي تظهر مرونة رحيمة باحتياجات الناس الملحة والأساسية في هامش يرى كثيرون أنه يغيب عن الحكومة نفسها.
إجراء ملكي
في كل حال، لا يبدو الاستغناء مؤقتاً لأغراض الشتاء عن 17 مليون دينار خطوة مكلفة ومرهقة للخزينة عشية فتح صفحة العام الجديد والأمل في حرمان المعارضين والمنتقدين في الداخل والخارج من ذخيرة أو ذرائع تستهلك وتستثمر في ركوب موجة احتياجات الشارع.
ما يظهره الإجراء الملكي سياسياً على الأقل هو وجود هوامش ومناورات رقمية يمكن أن تخفف وطأة فاتورة المحروقات على المواطنين، وهو أمر تنبه له القيادي الشاب والبارز في الحركة الإسلامية الدكتور رامي العياصرة، وهو يسأل في تغريده له فور التوجيه الملكي: أين الترف؟ ثم يستنتج العياصرة بأن التوجيه الملكي أحرج الحكومة.
الأعمق في المبادرة الملكية التي أظهرت تعاطفاً مع احتياجات المواطنين أنها لن توحي فقط بأن جزءاً من احتواء الأزمة العامة ممكن عبر إدارة رقمية حصيفة أكثر للنفقات والواردات المالية، بل تعيد ترسيم المشهد عبر عنوان يقول للأطراف الفاعلة في الحكومة أو المسؤولة قبل الناس بأن التفعيل الضريبي في بند المحروقات على الأقل ليس نصاً مقدساً بالرغم من كل البيانات الضاغطة رقمياً على الحكومة، والتي دفعت رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة تحت قبة البرلمان الشهر الماضي لإعلان النبأ غير السار للأردنيين تحت عنوان أن الخزينة لا تملك ترف دعم أسعار المحروقات بعد الآن.
درء الخطر الأكبر
لاحقاً، أبلغ الخصاونة البرلمان في جلسة مغلقة بأن فلسفة حكومته هي "درء الخطر الأكبر بالأصغر”، وبمعنى تثبيت نسبة التضخم عند وضعها الحالي.
ما يقوله ضمناً الإجراء الملكي للطاقم الوزاري هو أن المساس، ولو قليلاً أحياناً بالضرائب في بنود أساسية مثل المحروقات، ممكن ويمكن التعامل مع نتائجه، وإن كان الاعتقاد وسط جمهور الخبراء الرسميين هو ذلك الذي يشير عملياً إلى أن الحكومة هضمت فكرة خصم مبلغ زهيد من ميزانيتها تحت عنوان تجميد الضريبة على مادة الكاز بعدما تمكنت من تجاوز مأزق جولة جديدة من المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
لا معلومات
لا يوجد عملياً معلومات واضحة عن ما حصل نهاية العام 2022 في مفاوضات صندوق النقد، لكن الفرصة أتيحت بالتأكيد لتوجيه رسالة تظهر تضامن القيادة مع المواطنين في مسألة يعلم الجميع أنها تمثل احتياجاً ملحاً، وعنصر الإحراج للحكومة هو تلك الرسالة التي تقول بأن الضرائب في بنود المحروقات ليست قدراً، ويمكن تفعيل نمط إبداعي قليلاً من إدارة الموازنة يتطلب المساس بضرائب مفروضة ولو قليلاً لأغراض التهدئة العامة، ثم احتواء آلام احتياجات الناس المعيشية، فالكاز ليس مادة استراتيجية، بمعنى أن لها دوراً في الصناعة والتجارة، بل مادة استهلاكية في فصل الشتاء حصراً ولا أحد يذكرها في فصل الصيف.
هل يمكن تطبيق قواعد الاشتباك مع مادتي الديزل والبنزين نفسها؟ سؤال فيه قدر من الطمع ويربك خطط الحكومة التي كانت قد بادرت إلى الالتزام نهاية الشهر الماضي بتخفيض أسعار السلعتين، وهو ما حصل، مع أن الديزل مادة تؤثر في المسارين الشعبي والصناعي، أما البنزين فهي مادة يمكن أن تصنف في سياق الترف.
في كل حال، اتخذت الحكومة خطوات بدورها قبل التوجيه الخاص بمادة الكاز، وهي خطوات ساهمت بعد جلسة مغلقة مع البرلمان في تهدئة الشرائح الاجتماعية التي كانت منفعلة.
الأهم هو أن تلك التهدئة عموماً جيدة وإيجابية وفعالة، لكنها مؤقتة؛ فآلية تسعير المحروقات برمتها لا تزال غامضة، والمبادرات المرجعية الملكية بين الحين والآخر على أهميتها القصوى في ملامسة احتياجات الناس قد لا تكون البديل الدائم عن معادلات تسعير وإدارة مالية واقتصادية منتجة.
على الحكومة أن تجيب عن أسئلة محددة حتى بخصوص ملف المحروقات، ولا تزال هناك أسئلة عالقة، أهمها: لماذا تبقي الحكومة نفسها جالسة في سياسة التسعير؟ لماذا لا تغادر القطاع؟ لماذا تغادر قطاع المحروقات أحياناً ولا تغادره أحياناً أخرى؟ وأخيراً سؤال لا يزال لغزاً: لماذا لا تسمح الحكومة بفتح رخص استيراد المشتقات النفطية لقطاع الخاص برمته؟
بسام البدارين