الإعلام الاقتصادي الوقائي




جفرا  نيوز : عوني الداود 
الأزمات الاقتصادية العالمية والاقليمية وحتى المحلية، تتطلّب خطابا اعلاميا مختلفا تماما عن الخطاب في أوقات الرخاء، وفي زمن بات فيه الاعلام تخصصا، تماما كالاعلام (الطبي والعلمي والتكنولوجي وحتى المناخي والبيئي).. فقد بتنا نشهد في مختلف دول العالم تطورا في الخطاب الاعلامي الاقتصادي - ليس بمفهومه الواسع - بل بتفاصيله التي فرضتها الظروف، فلم تعد « الثقافة الاقتصادية «حكرا على» الخاصة « أو النخب»، بل بات موضع اهتمام الشعوب المعنية «بلقمة عيشها».
مشكلة العالم اليوم الابرز (اقتصادية)، خصوصا بعد جائحة «كورونا»، وزادتها الحرب في «أوكرانيا».. فالاقتصاد مرتبط بمعيشة المواطنين - كل المواطنين في جميع الأوطان -.. والازمات تزيد من ثقافات الناس، وأضرب على ذلك مثال (الاعلام الطبي والصحي) خلال جائحة «كورونا» حيث زادت الجائحة من ثقافات الناس الذين كانوا يتسمّرون أمام شاشات التلفاز ينتظرون توجيهات وارشادات للوقاية من الجائحة..وزاد الضغط على منصات البحث الرقمية بحثا وتصفحا للمعلومات عن الجائحة وكيفية الوقاية منها، الى درجة ان كل شخص بات يظن نفسه «منظّرا» وخبيرا في سبل الوقاية والعلاج، لكثرة المعلومات التي قرأها أو شاهدها أو استمع اليها.
اليوم..العالم في أزمة اقتصادية تتفاقم، بسبب الحرب في اوكرانيا..الامر الذي انعكس سلبا على معظم الاقتصادات، وباتت الحكومات تتخذ قرارات مجبرة عليها للوقاية من خطورة الحاضر والمستقبل في ظل حالة «عدم اليقين». لكن المشكلة ان القرارات التي تتخذها معظم حكومات الدول تبررها بأسباب، كثير من المواطنين - حتى اليوم -لا يعرفون معناها، ولا مبرراتها.. واليكم بعض الأمثلة:
1 - رفع أو خفض أسعار المحروقات يعود لارتفاع أسعارها عالميا، وتحديدا ارتفاع أو انخفاض سعر برميل النفط..ولكن كم من الناس -البسطاء تحديدا وما أكثرهم - يعرفون ما هو «برميل النفط»، وما علاقة «صوبة الكاز» ببرميل النفط... فما بالك بمعرفة آلية تسعيرالمحروقات.. أو الضريبة الخاصة على المحروقات؟!
2 - ترتفع اسعار بعض السلع فيكون الخطاب الاعلامي ان ذلك كان بسبب : ارتفاع كلف الشحن وتقطّع «سلاسل التوريد»..وأيضا نسأل عن مفهوم «سلاسل التوريد» - لدى كثيرين - وما الذي قطعها؟.. وما علاقة ذلك برفع أسعار علبة «التونة أو السردين» -على سبيل المثال؟!
3 - كثيرون يستمعون يوميا الى كلمة باتت مقررة في مختلف وسائل الاعلام وهي «التضخم».. ولا يعرفون معناها ولا أسبابه أو آثاره، لكنهم يلعنون الكلمة - حتى ولو لم يفسّرها أحد لهم - لأنها أصبحت سبب رفع قيمة اقساط القروض المتراكمة عليهم في البنوك..وهؤلاء لا يعرفون حتى لماذا يتم رفع أسعار الفائدة كلما رفع « الفيدرالي الامريكي»..وما علاقتنا بكل ذلك ؟!
4 - «عجز الموازنة»... «المديونية - ولماذا نستدين» «سندات اليورو بوند» «التصنيف الائتماني»..والامثلة كثيرة..وهناك كلمات يكثر تداولها في الازمات الاقتصادية لا يعرفها السواد الاعظم من الناس، لكنها تساق أمام الجميع اما للاستشهاد بانجازات قد تحققت، واما لمبررات اتخاذ قرارات صعبة.
- لذلك، «فالثقافة المالية» - ولو في حدها الادنى - باتت مهمة، ليس فقط لطلاب المدارس وفق البرنامج المهم جدا بالتعاون بين البنك المركزي وبين وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، ولكن لكافة المواطنين.
المفاهيم الاقتصادية لا يعرفها الجميع..لكن الجميع يلمس اثر القرارات الاقتصادية، وحتى يتم قبول نتائج القرارات، يمكن للشرح المسبق والشفاف ان يخفّف من آثار تلك القرارات، حين يصبح الجميع شركاء في المعرفة والتشخيص المسبق وصولا لتفهم الحلول المقترحة.
- في اوروبا.. التي تعاني كثيرا من تبعات الحرب في اوكرانيا خصوصا على اقتصاداتها وانعكاسات ذلك على معيشة المواطنين - وتحديدا في الطاقة والغذاء - اجتهدت مختلف وسائل الاعلام في مختلف الدول الاوروبية وقبل موسم الشتاء بشهور بالتوعية والارشاد والتحذير والتوضيح للمواطنين للتحوط والحذر..وبالتأكيد لم يمنع ذلك من ردود أفعال في بلد أو آخر، لكن «الاعلام الاقتصادي الوقائي» في تلك الدول، ساهم بالتوعية والارشاد والتخفيف من ردّات الفعل