مسؤولون و”السيمفونية” المعروفة
جفرا نيوز : محمود خطاطبة
من مُسلمات هذه الحياة الزائلة، أنه لا توجد "راحة” فيها، ويبدو مكتوبا على هذا الوطن بأنه سيظل مُنغمسًا في المُعاناة، ويبقى مجالًا واسعًا لعمليات "تنظير” في الهواء، غير متبوعة بإجراءات عملية على أرض الواقع، تُحقق النفع له وللمواطن، أو انتقادات غير بناءة، لا تستند إلى منطق أو حقيقة، أو كلمات حق يُراد بها باطل.. جُلها إن لم يكن كُلها، تصدر عن مسؤولين، كانوا في وقت من الأوقات يتبوأون مناصب عُليا في الدولة.
المُعضلة القديمة الجديدة التي واجهها الأردن، على مر العقود الماضية، تتمثل بوصفات أو اقتراحات أو أفكار تُعتبر من "المُنجيات”، وفق أصحابها وهم مسؤولون سابقون.. على الرغم من أن صاحب هذه "الوصفة” أو ذلك الاقتراح والفكرة، لم يعمل بأي منها، وهو على كُرسي المسؤولية، وبيده زمام الأمور والقوة التنفيذية لذلك.
كلام قديم جديد، "مله” الشعب الأردني، من كثرة تكراره، ويعلمه الصغير قبل الكبير، وكأنه أصبح "ماركة” مُسجلة لدى الكثير من المسؤولين الأردنيين، فمن جهة عندما يكونون في "المنصب” يبدأون هم و”زبانيتهم” بالعزف على نغمة أنهم "مُستهدفون”، وسهام النقد توجه إليهم فقط، ولسان حالهم يقول بأنهم لم يُعطوا الفُرصة الكافية لتحقيق ما يطمح إليه المواطن. ومن جهة ثانية عندما يُغادرون "المنصب”، فإن أصواتهم "تُجلجل”، مُقدمين أفكارًا وطروحات وبرامج، مع أغلظ التأكيدات بأنها هي الحل الوحيد لما يُعاني منه الوطن.
في جلسة حوارية تحت عنوان "الشباب ومسارات التحديث: البحث عن أُفق”، عُقدت قبل أكثر من شهر، أكد فيها رئيس وزراء سابق "أن الظاهرة التي يعرفها الأردنيون عن كثب، وهي كثرة الخطط وضعف التنفيذ، ناتجة عن ضعف أدوات المساءلة المباشرة من خلال المواطن وغير المباشرة من خلال مجلس الأمة”.
لماذا الأردن، مُتبلى بهكذا أُناس، أو بمعنى أصح مسؤولين؟.. يتحدثون عن خطط، وهم أكثر من وضعها، وهم في موقع المسؤولية، ولكن بلا تطبيق، أو حتى وضع خريطة طريق، يمشي عليها من يخلفهم في المنصب لتطبيقها.
كُل مسؤول يُغادر موقعه، يبدأ بإعادة أو تكرار "السيمفونية” المعروفة، لدى جُل الشعب، والتي تتضمن عبارات "فضفافة”، قائمة على مبدأ واحد، وهو "دغدغة” عواطف الشارع، وإن كانت صحيحة مائة بالمائة، فترى ذلك المسؤول يتكلم عن حُرية الرأي والتعبير، والمُشاركة في صنع القرار، وتارة ثانية يؤكد ضرورة تجنُب تكرار الأخطاء، وثالثة عن ضرورة مُساءلة المسؤول عن أدائه وأداء مؤسسته.
تصريحات الكثير من المسؤولين، بُعيد مُغادرتهم لكُرسي المسؤولية، تتشابه تمامًا مع تعيين أو استقالة أو إقالة أو نقل الوزراء والمسؤولين، فلا أحد يعلم لماذا أوتي بالوزير "الفلان”، ولماذا أُخرج الوزير "العلان”، ولماذا تم تغيير حقيبة آخر.
وتصريحات أولئك المسؤولين، تمامًا كتلك "العملية”، إذ يخرج مسؤول كُل فترة وأُخرى، بتعبير لم يعتده المواطن، فواحد يؤشر إلى "عقد اجتماعي” جديد، وثان يتحدث عن تعزيز الوحدة الوطنية، وكأننا واقعون في "اتون” حرب أهلية، أتت على الأخضر واليابس، وثالث يؤكد أهمية إبعاد خطاب الكراهية، حتى يُخيل للغريب أو الزائر لهذا البلد أو حتى المُستمع بأن الأردنيين منقمسون إلى صفين!، وآخر يُركز على الهوية الوطنية، وكأننا تائهون بلا هوية!.
تلك موشحات لـ”سيمفونيات”، يُتقنها ويُرددها مسؤولون سابقون، لا أحد يعلم ما الهدف أو الغاية منها، وكأنه يُراد منها كسب الوقت، لكن لماذا؟، فذلك في علم الغيب!.. لكن ما هو معلوم للجميع أن الكثير من أولئك لا يؤمنون بالعمل ضمن الفريق الواحد، مع أنه أحد أساسيات النجاح.