يا ظلام السجن خيّم
جفرا نيوز - كتب - يوسف غيشان
افتتحوا فندقاً في النمسا مشيّدا على شكل سجن كامل المواصفات والمقاييس، وتقوم على إدارته مجموعة من السجانين القساة والسجّانات الأكثر قسوة. طبعا النزول في هذا الفندق أغلى بكثير من الفنادق الأخرى، لأنه يقدم خدمات متميزة للزبائن، ناهيك عن أنه يحتاج إلى كادر إداري متخصّص، وفيلق فنّي أكثر تخصّصاً، وربّما يحتاج إلى علماء نفس وباحثين اجتماعيّين، للتعامل مع هكذا نوعيّات من الزبائن، وربّما يحتاج أحياناً إلى توظيف مساجين سابقين ومحترفين من خريجي الحبوس، حتى يتمتع الزبون بلذة الإحساس بأنه يقيم في سجن حقيقي تماماً.
زبائنهم على الأغلب، أناس من بالغي الاستقامة في المجتمع ولا يخالفون قوانينه، لذلك فإنّ فرصتهم في (التمتّع) بعملية الاعتقال والسجن نادرة تماماً، لذلك فإنّ المبيت في هذا الفندق، رغم أسعاره العالية جداً، سيكون – بلا شكّ -أوفر كثيرا ً، إذا رغبنا بالتمتّع في تقمّص دور السجين بشكل كامل، أو شبه كامل، لأنني استبعد أن يقدموا للسجناء (الزبائن) خدمة التعرّض للتشطيب بالسكاكين والشفرات من قبل سجناء آخرين، أو خدمة التعرض للاغتصاب، وما يشبه ذلك من أفعال قاسية، قد تحصل في السجون الحقيقية.
الزبون يتعرّض أولاً إلى تفتيش قاس ودقيق، وربّما يصفّون الزبائن في طابور من أجل استلام بذلة السجن وبعض الحاجيات الضرورية، ثم يتم توزيع -السجناء الأفاضل - على عنابر السجن بذات الطريقة التي يتمّ فيها توزيع المجرمين، وقد يعمد بعض الزبائن إلى طلبات خاصة، مثل الاحتجاز الانفرادي في زنزانة تحت الأرض مثلا، والزبون دائماً على حقّ، في حال كان مستعداً للدفع طبعاً.
بالتأكيد سيفصلون الرجال عن النساء، كما السجن الحقيقيّ، وربّما تتمّ زيارات، عبر الشبك، بين السجين وعائلته والأصدقاء والشامتين، وسوف يعيش الزبون السجين داخل العنبر مع السجناء الآخرين الذين يرتدون زيّ السجن الموحّد، وينامون على الأسرّة الحديدية المركبة فوق بعضها، وربما يتشاجرون على من يحصل على السرير الأرضي، وعلى بعض التفاصيل الصغيرة، لأنهم يشغلون حيزاً محدوداً يتصارع الجميع عليه.
بالطبع سيكون هناك أبواب مغلقة، وخروج منظم، حسب مزاج السجان، إلى الحمام، وسيكون هناك خفر قساة يتجوّلون بعصيّهم ومسدساتهم بين عنابر السجن،وربّما يتمّ توزيع وبيع الممنوعات داخل السجن الفندقي، كما يحصل في السجون العادية.
وجبة الغداء سوف يتمّ تناولها في قاعة الطعام، وعلى طاولات خشبية ممتدة ومقاعد خشبية ثابتة، وربما يتم افتعال شجارات لغايات المزيد من الإثارة في هذا المجتمع الذكوري (أو الأنثوي) الافتراضي، وربما يكون هناك قاعة رياضة وملاعب، وساحة يتجول فيها المساجين في ساعات (الفورة).
بالتأكيد سيكون هذا الفندق ناجحاً في دولة أوروبية، مثل النمسا، حيث حقوق الإنسان مصونة ومكفولة ً، وربّما سيفتتح أصحاب الفندق فروعاً أخرى في السويد والنرويج، وغيرها من الدول الأوروبية ودول العالم.
وتلولحي يا دالية