محاولة «الانقلاب» في ألمانيا.. أي «أعمدة» سقطت؟

جفرا نيوز  محمد خروب  
ما تزال ذيول إعلان السلطات الألمانية عن اجهاض محاولة انقلاب، كانت تخطط لها مجموعة يمينية كانت تُطلق على نفسها «مواطنو الرايخ»، في حنين إلى الامبراطورية الألمانية التي كانت قائمة في القرن التاسع عشر، تجد (المحاولة) لنفسها فضاءات متباينة من المتابعة في وسائل الإعلام كما في الأوساط السياسية والحزبية الأوروبية، ليس فقط في أن «المتآمرين» الذين سعوا لتنفيذ الانقلاب لم يزيدوا عن «25» شخصاً قيل في وصف «وظائفهم» أنهم نواب سابقون وعسكريون متقاعدون وبعض أتباع الحزب اليميني المتطرف النازي المُسمَّى «حزب البديل لألمانيا» (له نواب في الرايخستاغ الألماني) بل أيضاً في أن بلداً كألمانيا بكل ما تمتع به انضباط وحيوية سياسية وحزبية, فضلاً بل خصوصاً في أن «25» شخصاً أياً كانت قدراتهم وما يتوفرون عليه من معلومات وقدرة على اختراق بعض المؤسسات, يصعب أن يصيبوا نجاحاً في مخططهم الخيالي, عدا عن الوجود العسكري لحلف الناتو أو لنقل على وجه التحديد، ما تعجّ به الأراضي الألمانية من قواعد عسكرية أميركية في أكثر من مدينة وولاية ألمانية.

وإذا كان الكشف الألماني الرسمي عن الأهداف/المواقع التي سعى المتآمرون/الانقلابيون للسيطرة عليها مثل مقر البرلمان الألماني/الرايخستغ، قد شكّل في نظر هؤلاء نقطة الانطلاق الذي ستؤمن لانقلابهم النجاح, في السيطرة على باقي مؤسسات الدولة الألمانية الرسمية. فان سرعة القاء القبض عليهم وخصوصاً على زعيمهم المفترض المُسمَّى «هنري الثالث عشر", الارستروقراطي السبعيني الذي يُعاني من مشكلات صحية ونفسية، تشي من بين أمور أخرى بأن المُخطط المذكور هزلي وغير جاد حدود السذاجة الطفولية, حتى لو كان أعضاؤه الذين لا يزيدون - وفق السلطات الألمانية - عن ألفي إلى ثلاثة آلاف عضو في أنحاء ألمانيا, يضمّون بين صفوفهم ضباطاً وجنوداً ونواباً سابقين.

هل تأثر هؤلاء بمحاولة «الانقلاب» التي قام بها أنصار الرئيس الأميركي السابق ترمب في السادس من كانون الثاني 2021 رغم بروز بعض الجماعات اليمينية المتطرفة من بين صفوفها التي تتبنى نظرية المؤامرة جماعة «كيو أنون»/ (QAnon) ويسعى بعضها (جماعة MAGA) وهي اختصار لشعار ترمب لـ"نجعل أميركا عظيمة مرة أخرى»؟.

من السذاجة الاعتقاد أن هؤلاء (الانقلابيين الألمان) أُعجبوا بأحداث اقتحام مبنى الكابيتول الأميركي، خاصة أن عامين انقضيا على تلك الأحداث, التي لم تكن لها أي نتيجة تذكر سوى الإسهام في «ايقاظ» الدولة «العميقة» في واشنطن للتأمل في ما وصلت إليه أحوال الديمقراطية في بلاد العم سام, وحال الانقسام والاستقطاب الحادتين بعد تفشي ظاهرة العنصرية, وتغول تنظيمات وتشكيلات اليمين المتطرّف الذي لا يقيم وزناً لمواطنين من غير البيض.

هل ثمة أصابع «روسية» في الانقلاب المزعوم؟.

في الرواية الألمانية جاء أن «الانقلابيين» سعوا للحصول على دعم «روسي»، عبر مُواطنة روسِية مقيمة في ألمانيا تم اعتقالها، الأمر الذي سارع الكرملين إلى نفيه جملة وتفصيلا، فيما عجّت وسائل التواصل الاجتماعي الروسية ومُحللين سياسيين, بكثير من ردود الأفعال الغاضبة والمُنتقدة بشدة للسردية الرسمية الألمانية. على النحو الذي ذهب إليه المحلل السياسي الكسندر نازاروف الذي قال:»..مع مُغادرة ميركل لمنصبها اقتحمت «عصابة» من المتطرفين بأكملها السلطة في الدولة الرئيسية في أوروبا: ألمانيا، لذلك - أضاف - فليس من المُستغرَب أن تَجنح سياستها نحو التطرف على الفور، وليس لديّ أدنى شك في أن هذا الانقلاب السخيف، سوف يُستخدَم - واصلَ - لشن هجوم جديد على الفِطرة السليمة وقمع المعارضة بل حتى اثارة الهستيريا المُعادية لروسيا..

أما الرئيس الروسي السابق/نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي حالياً/ديمتري ميدفيديف فكتب قائلاً: هُم بطبيعة الحال يُلمحون إلى وجود علاقة للمتآمرين مع الروس.. وإلاّ - تساءَل - كيف غير ذلك؟.. كل المؤامرات الشريرة والحروب العالمية والزلازل المُدمرة والأوبئة هي مِنّا. نحن فخورون - استطردَ ساخراً - رغم أننا لم ننجح بعد.. سنُحاول التأكّد من صلابة عود ألمانيا في المستقبل أيضاً.. قد تُصبح فجأة دولة مَلكِية مرة أخرى (ما كتبه ميدفيديف من ترجمة عن الروسية للصديق د. زياد الزبيدي).

في السطر الأخير.. تجدر الإشارة إلى تقرير وردّ في صحيفة الاندبندنت البريطانية يوم السبت 10/12/2022 تحت عنوان: مؤامرة انقلاب «الرايخ سيرغر» في ألمانيا: كوميدّية لكنها جديّة».. جاء فيه: انه مُخطط غريب ومجنون وصعب التنفيذ، يتمثّل في السيطرة على رابع اقتصاد في العالم، وإلغاء ديمقراطيته، وتنصيب ارستقراطي سبعيني غامض, إمبراطوراً على البلاد».

kharroub@jpf.com.jo