هل علينا أن نكون أكثر كسلا ؟

جفرا نيوز - بما أن المملكة المتحدة تواجه حالياً موجات إضراب جديدة في قطاعات مختلفة، قد يكون من المفيد محاولة تذكر بعض النجاحات التي حققها الإضراب على مر السنين. سنة 1884 تحديداً، نشر نقابي إنجليزي يدعى توم مان كتيباً يقدم مقترحاً راديكالياً: "نعمل لمدة 8 ساعات، ونرتاح لمدة 8 ساعات، ونفعل ما نشاء لمدة 8 ساعات". على عكس ما يدعيه مؤلفو أغاني الكانتري في الولايات المتحدة، فإن النموذج الناشئ الذي يحدد ساعات العمل من التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساء، يبدو أنه وفر أخيراً توازناً بين ما يقدمه المرء ويحصل عليه. لماذا إذاً، بعد نحو 140 عاماً، يبدو أن الوقت المتبقي لأنفسنا قليل جداً؟
 
"أوبلوموف" لغونتشاروف: الكسل حتى الموت السعيد

لا تتمثل المشكلة فقط في أن غالبيتنا تواجه صعوبة في العيش مكتفية براتب قياسي، لكن يتم تقديم السعي الدؤوب على أنه فضيلة في حد ذاته، بغض النظر عن مردوده. في مقابلة مع مجلة جي كيو GQ في وقت سابق من الشهر الماضي، تحدث الممثل الأميركي – البريطاني أندرو غارفيلد بصراحة عن استنفاد طاقاته بشكل لا يصدق في العمل المحموم (ولا ننسى الجوائز التي حازها) الذي أكمله بعد وفاة والدته عام 2019، ليبدو أنه ما زال يشعر بالذنب عندما أخذ استراحة أخيراً ورأى وجوه ممثلين آخرين تحط على اللوحات الإعلانية في لوس أنجلي. قال غارفيلد: "تبدأ بطرح أسئلة على نفسك من قبيل (حسناً، ما الذي أفعله؟ لماذا لا أظهر على اللوحات الإعلانية؟)... هذا منطق شديد الغباء وجنوني". إذا لم يستطع ممثلو هوليوود المرشحون لجائزة الأوسكار التخلص من الشعور بأنهم لا يفعلون ما يكفي، يبدو أن فسحة الأمل ضيقة جداً أمام بقيتنا.

من المؤكد أن ارتفاع عدد الأشخاص الذين يعملون في وظائف ثانية أو ثالثة، أو حتى يأخذون إجازة كي يتمكنوا من إنجاز مزيد من العمل، يؤشر إلى ما يبدو إلى حدوث خطأ فادح. الجهود المبذولة لتحرير الموظفين من أغلال الوظيفة المكتبية، بما في ذلك العمل الهجين الذي يسمح لهم بالخلط بين العمل من المكتب والمنزل والعمل المرن الذي لا يقيدهم بأيام وساعات محددة، غالباً ما تؤدي إلى زيادة الطين بلة لأنها تزيل الحدود بين العمل والمنزل - ليس فقط من حيث المساحات المحسوسة التي نوجد فيها، ولكن من حيث الوقت الذي يخصنا، الساعات التي ينبغي تخصيصها "لفعل ما نشاء". إذا لم تكن أوقات عملك محددة حقاً، فإن أوقات راحتك لن تكون محددة أبداً أيضاً.

جاكلين كارسون هي اختصاصية نفسية ومعالجة سريرية بالتنويم المغناطيسي تجري جلسات بشكل متكرر مع أشخاص يعانون الإجهاد والإرهاق والمشكلات الصحية طويلة الأجل المرتبطة بهما. لديها تجربة شخصية أيضاً مع استنفاد المرء طاقاته الجسدية إلى أقصى الحدود، حيث عملت سابقاً كأخصائية اجتماعية في مجال حماية الأطفال لمدة 25 عاماً ووصلت إلى مستوى الإدارة، تقول: "يتوقعون منك أن تكون متوفراً بشكل دائم، لا يهم في أي وقت من اليوم، عليك أن تكون موجوداً وجاهزاً".

تضيف أن هذا التوتر أدى في النهاية إلى اكتسابها عادات مثل الإفراط في شرب الكحول والتدخين، إلى جانب "الشعور بالتوعك فعلياً" في كل مرة تسمع رنين الهاتف. وتتابع، "لكنك تخشى أيضاً عدم الرد على أي مكالمة هاتفية. لقد احتل العمل مكانة متقدمة أمام كل شيء آخر، بما في ذلك العائلة. أنت تنشد الراحة بتناول كأس من النبيذ ليلاً، لكن حتى في تلك الحالة، يكون ذهنك ما زال نشطاً، وما زلت تعمل وتعد التقارير".

سنة 2014، شخصت كارسون بإصابتها بسرطان الثدي. تقول: "كان ذلك جرس الإنذار النهائي بالنسبة لي. حتى إنني قلت للاستشاريين (ليس لدي وقت لأمرض. ليس لدي وقت للسرطان)". أقلعت عن شرب الكحول والتدخين وحصلت على التدريب لممارسة مجال عمل جديد. ترى حالياً كثيراً من المشكلات نفسها لدى مراجعيها الذين "ليس لديهم الوقت" لأي شيء بينما يشعرون أنه ينبغي عليهم فعل المزيد. إذا بدا هذا الكلام مألوفاً جداً لك، فأنت لست الوحيد على الإطلاق. تشرح كارسون: "ينتابك شعور بأنك (مهما فعلت، فلن تحس بتحسن أبداً، ولن يكون ما تفعله كافياً على الإطلاق"، كما أنني ألحظ وجود متلازمة المحتال لدى كثيرين، حيث يشعر الناس أن كل ما يفعلونه ليس جيداً كفاية [ولديهم خوف داخلي دائم من أن يعتبرهم الآخرون محتالين]".

على عكس أسلافنا في مرحلة ما قبل الثورة الصناعية، فإن إنسان القرن الحادي والعشرين مهووس بشكل مرضي بفعل شيء ما في كل ساعة من اليوم تقريباً. لقد تعلمنا منذ الصغر تثمين العمل الجاد، ولا سيما في أوساط الطبقة العاملة، واعتباره وسام شرف لا يختلف عليه اثنان، بغض النظر عما ينتجه هذا العمل أو في صالح من. وبينما نصبح عالقين أكثر من أي وقت مضى في دورات متعاقبة من العمل والاستهلاك، هل حان الوقت للتفكير في أن الكسل قد يكون أحد آخر التمردات الصغيرة المتوفرة لدينا في مواجهة الرأسمالية؟ بعبارة أخرى: هل يمكننا الوصول إلى تطبيق عملي للتراخي؟

في النهاية، لم يتغلغل السعي الحثيث للإنتاجية والنمو إلى أوقات فراغنا فقط، بل أصبح أيضاً وقت فراغنا. حتى بعد إنجاز قائمة المهام التي لدينا، تظل الإنتاجية، ما يتطلبه العالم، في مقدمة تفكيرنا. لخصت جيني أوديل هذا المفهوم في كتابها الرائع "كيف تفعل لا شيء" How to Do Nothing، مشيرة إلى كيف "أصبحت كل لحظة نكون مستيقظين فيها هي الوقت الذي نكسب فيه رزقنا"، بما في ذلك "التقييم العددي على هيئة الإعجابات التي نحصل عليها على (فيسبوك) و(إنستغرام)". في هذا السجن الذي صنعناه بأنفسنا، حيث يعتبر الوقت ملكية ثمينة للغاية بحيث لا يمكن "إهداره" في المساعي التي لا تزيد من قيمتنا من خلال بعض المقاييس الملموسة، فإن الخمول هو تمرد غير مقبول.

أثر ذلك على صحتنا العقلية واضح جداً. معدلات الاكتئاب والقلق آخذة في الارتفاع في أرجاء المملكة المتحدة، بينما تزيد الأضرار الجسدية المختلفة للتوتر من أزمة أولئك الذين يعانون التحفيز المفرط ويتقاضون رواتب أقل مما يستحقون. غالباً ما تكون الحلول المقدمة غير نافعة، وعادة ما تتراوح بين شكلين مختلفين من التنبيه المترف: إما على هيئة شموع معطرة تروج لها علامة تجارية على أنها نوع من العناية بالنفس وتتجاهل مشكلة ثقافية أكبر، أو تحفيز الفتيات على امتلاك زمام الأمور من خلال أنماط عمل غير صحية تفعل الشيء ذاتها، لكنها تأتي مصحوبة بقوائم مهام وأقلام تحديد وخطط لتحضير الوجبات.

تقول كارسون إنها تشجع الجميع على توضيح حدودهم والتأكيد عليها: ارفضوا العمل في أيام معينة أو في المساء، أغلقوا هواتفكم ليوم كامل في عطلة نهاية الأسبوع، أو بشكل متكرر خلال الأسبوع. مضيفة: "إذا احتاج شخص ما للتحدث إليك في أمر طارئ، فسيتصل بك، ما عدا ذلك، لا يوجد شيء لا يحتمل الانتظار حتى صباح اليوم التالي". من الصعب ألا يؤيد المرء هذا الكلام. هذه هي التغييرات الصغيرة التي يمكننا القيام بها، إلى جانب الانضمام إلى الاحتجاجات الأكبر التي تحدث في الشوارع الآن.

ليست المعركة على المستوى السياسي فحسب إذاً، على الأقل فيما يتعلق بإصلاح ركود الأجور في البلاد وأزمة كلفة المعيشة، أي رفض حكومتنا فرض الضرائب على فاحشي الثراء من أجل تمويل مجتمع منصف بالنسبة لبقيتنا. إنها معركة من أجل سلامتنا العقلية، حقنا في إطلاق العنان لعقولنا من دون إرهاقها بلا رحمة بالمحتوى، الكفاح من أجل منع منطقنا من الانحطاط إلى تدفق مستمر من التعليقات الاستفزازية المبنية على التزام يفتقر إلى العزيمة حتماً بالبحث والتأمل في الذات. بكل بساطة، لا يمكننا تحمل إهدار الكثير من وقتنا في كوننا منشغلين، سواء في الرد على رسائل البريد الإلكتروني، أو مشاهدة التلفزيون، أو المشادات الكلامية فيما بيننا على "تويتر" أو أي عمل يؤمن المال اللازم لسداد فواتيرنا.

هذه أزمة تتطلب منا كذلك الابتعاد عن وهم النمو اللامحدود في حياتنا، وكذلك وضعنا الاقتصادي، مقاومة فكرة أنه يجب علينا تنمية "بصمة شخصية" نتحلى بها على مدار الساعة لنحصل على الحب والأجر الكافيين. في نهاية المطاف، كما تشير أوديل، فإن الغرض من تحررنا ليس الابتعاد عن العالم للوصول إلى الأنانية المتطرفة، ولكن السماح لأنفسنا بالحصول على مساحة نتنفس فيها الصعداء فنرجع بعد ذلك إلى العالم منتعشين ومستعدين للقيام بما هو مهم حقاً.

تورد أوديل في الكتاب نفسه: "يعني هذا أيضاً منح نفسك استراحة من النقد التي لن تمنحك إياها أوساط السوشيال ميديا وما يتردد عليها... السماح لنفسك بالإيمان بعالم آخر بينما تعيش في هذا العالم". إذا أردنا جعل هذا العالم الجديد حقيقياً، يجب علينا أولاً أن نتحلى بالشجاعة لعدم القيام بأي شيء على الإطلاق من حين لآخر.