«أبيش أحلى من السلط» .. عبارة يرددها الأردنيون ويتغنون بجبال نابلس واضواء القدس


جفرا نيوز - «أبيش أحلى من السلط» تلك عبارة يرددها الأردني في الأغنية وفي المجالس، وتلوكها الألسن بمناسبة وبدونها حصرا عندما يتحرك مواطن ما باتجاه المحور الغربي لمدينة عمان العاصمة، حيث تجلس حاضرة مدنية عريقة جدا ولها مكانة مرموقة في تاريخ الأردنيين واسمها مدينة السلط التي تملك كما يقول أهلها أوراق قوة ساحرة بالتاريخ والتراث والجغرافيا أيضا.

تلك عبارة تجزم في المخيلة الشعبية بعدم وجود مكان في الدنيا أجمل من السلط. وفي أي لحظة تصافح أهل المدينة أو تزورهم أو تعبر من بين شوارعهم وأحيائهم كزائر يبتسم السلطي في وجهك ويودعك بنفس العبارة «أبيش أحلى من السلط».

وصفت أيضا في مراجع التوثيق التاريخية بـ«مدينة الحجر الأصفر» بسبب لون وإنعكاس ألوان مبانيها وهي أيضا في التراثيات مدينة التسامح والتعايش على مر العصور والحقب الزمنية التي مرت بها.

حاضنة ثقافية ومنارة تعليمية

وتقع السلط على بعد نحو 29 كيلومترًا إلى الشمال الغربي من العاصمة عمّان، وتُعتبر مركز محافظة البلقاء، ويشكل سكانها وتراثها مزيجًا متنوعًا من السكان وكانت مركزا تجاريا لبلاد الشام والضفتين وحاضنة ثقافية ومنارة تعليمية، حيث تأسس فيها أول صرح تربوي عريق أي مدرسة السلط الثانوية.

وُصفت مدينة السلط بمدينة التسامح والضيافة الحضارية حين تم إدراجها في قائمة اليونيسكو للتراث العالمي لأنها عرفت تاريخيًا بالمدينة التي وحدت القوى لمقاومة الكراهية ولزرع الوئام والتعايش بين جميع مكونات المجتمع. وبرأي باحثين كثر لذلك سبب مرجح هو وجود مسلمين ومسيحيين من مختلف الطوائف بين أحياء تلك المدينة وأيضا بسبب وجود تمثيل لجميع المكونات الاجتماعية. مآذن وأجراس كنائس ويتشارك الجميع الحياة كعائلة واحدة.

ليس سرا بالنسبة للأردنيين عمليا بان السلط قد تكون أول حاضرة بالمعنى السياسي والجغرافي أردنيا، فهي العاصمة الأولى بدون منافس، ومدرسة السلط الحكومية العريقة المدرسة الأولى الشاملة في تاريخ التربية والتعليم الأردني ومن تخرج منها في المراحل الإعدادية قبل أكثر من 70 عاما ساهم بتشكيل الطبقة الأولى من رجالات الدولة وكبار السياسيين والبيروقراطيين.

ويتحدث الباحث في المدن الأردنية وجذورها فتحي العلي عن ذكريات قومية واجتماعات عابرة للجغرافيا وحضور قبلي كان الأول في تأسيس مدينة حضرية.

جبال السلط وجبال نابلس

سحر السلط من الصعب مقاومته في الجغرافيا وتلك الابتسامة العريقة على ملامح أهلها تختلط بكرم الضيافة وفيها عبر التاريخ مجالسات ومؤانسات وزارها نجوم في الفن والثقافة كبار في الماضي.

وكانت طوال عقود في بدايات تأسيس إمارة شرق الأردن موئلا للضيوف الكبار يزوره العلماء والأئمة والباحثون عن الاسترخاء خلافا لطبيعة جبلية جذابة من الطراز الذي لا يقاوم مع سلسلة غابات واستراحات على أكتافها الجبلية.

وليس سرا ان السلط ليست فقط عاصمة الأردن الأولى لكنها قد تكون المدينة الأردنية الأولى بلا منازع التي تحادد وتحاذي جبال فلسطين المحتلة حيث بضعة كيلومترات فقط تفصل جبال السلط عن جبال نابلس وعن أضواء وأنوار مدينة القدس، الأمر الذي دفع بعقارات الأراضي في تلك المنطقة إلى مستويات مرتفعة لكل طامح أو راغب في السهر على أضواء القدس أو في المبيت بمزرعة خاصة محاذية تسمع فيها أصوات جبال نابلس.

ولسبب أو لآخر حظي الشعبان الفلسطيني والأردني بتوأمة تاريخية وأهلية فيها الكثير من السكون والتآخي بين مدينة السلط وجارتها نابلس، حيث لا فارق في الجغرافيا بين المدينتين وحيث عشرات العائلات النابلسية أقامت في السلط مبكرا مع نهايات القرن الماضي.

وحيث أيضا العكس صحيح ويمكن تلمس هذه الحقيقة الديموغرافية الفريدة من خلال التدقيق بأسماء العائلات والعشائر لان السلطي كما يشرح العلي يعتبر نابلس مدينته الأصلية، ولان حجم التفاعل السكاني بين أهل المدينتين اتخذ شكل الهوية الثقافية والمسعى الاقتصادي بنفس الوقت وبصيغة فريدة قياسا ببقية المناطق المحاذية لفاصل نهر الأردن.

تشرح الباحثة فدوى قاقيش وهي تستعرض هذه الخلفيات مشيرة إلى ان عائلات نابلسية عريقة حضرت إلى السلط قبل أكثر من 100 عام وتكاثرت فيها وتعتبر اليوم جزءا عضويا في بنيتها الاجتماعية مثل عائلة طوقان وبعض الأجنحة في عائلة الشخشير وغيرها من العائلات.

 وتؤكد قاقيش بان حجم الاختلاط والمحبة والود بين أهل نابلس وأهل السلط تاريخيا يصلح كأساس لسرد قصة توأمة روحية الطابع خصوصا وان العدو الإسرائيلي المحتل وقبل السلام كان يهدد بين الحين والآخر بقصف جبال السلط أو باحتلالها.



بيوت تراثية ومتاحف

قائمة المواقع التاريخية والتراثية وحتى السياحية بمعناها الحضاري والثقافي تشمل العديد من الأماكن التي لا توجد في أي مدينة عربية أخرى. فبيت أبو جابر مثلا التراثي هو من أبرز وأعرق البيوت التراثية والمتاحف في شرق الأردن، ويعود تاريخه إلى أواخر القرن التاسع عشر.

والمتحف الوطني السلطي قد يكون درة المواقع السياحية التراثية ومساحة متحف السلط 1242 مترًا مربعًا، ويعرض المتحف تاريخ السلط وثقافتها في فترة ازدهارها منذ منتصف القرن التاسع عشر حتى أوائل القرن العشرين. يضم الطابق الأرضي للمتحف مركزًا للزوار ومركزًا للدراسات، بالإضافة إلى قاعة عرض مؤقتة، أما الطابق الأول فيحتوي على قاعات عروض تُبين تاريخ المدينة العريق، فيما يركز الطابق الثاني على المواضيع الثقافية والمعمارية والحياة اليومية لمدينة السلط.

مسجد السلط الكبير هو عنوان إضافي بارز لمكانة تلك المدينة ومحطة يجلس في ظلها عشاق السلط من أهلها وروادها وزوارها أيضا، وهو من أقدم المعالم الدينية والتاريخية للمدينة وشيد في العصور الأولى للدولة الإسلامية ويتألف من بنايتين الأولى هي المصلى القديم والساحة وشيدا بطراز معماري خاص وأرضيات الساحة من الحجر الأصفر الصلب وفي الموقع أدراج بهندسة معمارية متفوقة وصحن للتجمع والوضوء وبركة قديمة الطراز.

ويعتبر مسجد السلط الكبير من ملاك الأوقاف وتقام فيه حتى الأن الصلوات الخمس وحلقات الذكر والتلاوة وصلوات العيد.

تقول الوثائق التابعة لمجلس إعمار السلط ان متحف آثار السلط أسس عام 1983 ليكون متحفًا إقليميًا لمدينة البلقاء، ورتبت معروضاته ترتيبًا زمنيًا طبقًا للمحور العام للمتحف. علم الآثار في البيئة الطبيعية ويقع في مبنى آل طوقان ضمن أحد البيوت التراثية لمدينة السلط ويضم قطعًا أثرية وردت من الحفريات التي أجريت معظمها في محافظة البلقاء والتي تعود إلى الفترات التاريخية من العصر الحجري النحاسي حتى العصر الإسلامي ويحتوي المتحف على حوالي 1007 قطعة معروضة منها 266 قطعة أثرية من الفخار وزجاج الصوان وقطعًا عظيمة من الفسيفساء والمسكوكات.
وحسب مجلس الإعمار أيضا فبيت خيرات السلط هو أحد المشاريع التسويقية التي تعطي السياح تجربة غنية وفريدة عن تاريخ مدينة السلط.

 ويعنى البيت ببيع المنتجات القديمة من أثواب السلط التراثية المطرزة بمختلف الألوان «المدارق» التي كانت ترتديها الجدات كما ويسلط الضوء على لباس الأجداد التراثي «الجبر والدامر والشماغ» ويضم المشروع إنتاج وبيع المواد الغذائية والتراثية مثل المربيات والخبيصة والسماق البلدي والزعتر البلدي بما يحافظ على الموروث الشعبي بالإضافة إلى بيع معروضات الحرف اليدوية كالصابون وأطباق القش والأسلاك البلاستيكية ويدعم المشروع سيدات المجتمع المحلي الأردني.

في السلط إماكن سياحية بسيطة «جاذبة» بإطلالتها الخلابة تستقطب الراغبين في مراقبة «شروق وغروب الشمس» وزادت شهرة هذه الأماكن عند الأردنيين والأجانب بسبب قربها من إطلالات على جبال وأرض فلسطين المحتلة.
وتشتهر السلط بشارع إسمه شارع الستين، ويتضمن إطلالة خلابة تجذب الزائر والأهالي والسياح لإنه مرتفع بين الجبال ويوفر إطلالة بانورامية بالتوازي مع أشعة الشمس مع مقاهي وأماكن للاستمتاع بالطبيعة.

يشهد شارع الحمام التراثي نشاطًا سياحيًا وتجاريًا مستمرا ويقدم الشارع تجربة فريدة للسياح عن تأسيس مدينة السلط التراثي وسمي حسب وثيقة البلدية بشارع الحمّام نسبة إلى حمام تركي قديم ما زالت آثاره ظاهرة حتى اليوم ويقع في وسط مدينة السلط القديمة، كما تتوزع على طول شارع الحمّام المحال التجارية التي تبيع السلع والمنتجات المحلية المتنوعة وذلك إلى جانب المطاعم والمقاهي البسيطة ذات الأجواء المريحة والدافئة. ويحتضن الشارع مسجد السلط الصغير وكنيسة بحجر أصفر على الطراز الإيطالي.

درة وأشهر الأضرحة والمقامات والمزارات في السلط هو ذلك الذي يحمل إسم «مقام النبي شعيب» غربي مدينة السلط ومصنف ضمن قوائم اليونسكو باعتباره من أهم المواقع السياحية الدينية في الأردن. وتحيط الغابات بمقام النبي شعيب مع عدة عيون مياه قريبة وأشجار ويوفر مساحة روحانية للزيارة والاسترخاء والدعاء خصوصا مع موقعه القريب وقلة عدد السكان في المنطقة المحيطة حيث يخاطب الكثير من الزوار الضريح في الإطار الروحاني والإيماني.

وقدمت السلط منذ أكثر من نصف قرن العشرات من كبار السياسيين والإداريين ورجالات الدولة لخدمة المؤسسات والدولة والناس وتعتبر دوما من أجمل وأبهى المدن الأردنية.