المواجهة مشتعلة

جفرا نيوز - بقلم حمادة فراعنة 

لا يكفي النظر لجرائم المستعمرة ضد الشعب الفلسطيني وزيادة حدتها وقسوتها، وسلسلة الاجتياحات لمدينة نابلس، ومخيم جنين، واستهداف المقاتلين الفلسطينيين البواسل، قبلهم في قطاع غزة واغتيال قيادات الجهاد الإسلامي، في آب 2022، يعود فقط لدوافع انتخابية.

سلسلة الجرائم تعود لسلسلة من الدوافع والأسباب بدءاً من الانتخابات، وتثبيت القدرة على المواجهة، وإدارة العمل ضد الفعل الفلسطيني، وإثبات القدرة الفردية على تأدية ما هو مطلوب من رئيس حكومة المستعمرة يائير لبيد، ووزير الجيش بيني غانتس، ومدير المخابرات نداف أرغمان، وقائد الجيش وغيرهم، ودوافعهم الحرص على توفير الأمن للمستوطنين المستعمرين الأجانب في القدس والضفة الفلسطينية، كل هذا جائز من جانبهم ومطلوب، ولكن السبب الجوهري الأهم خلف جرائمهم ودوافعها هو بقاء الاحتلال، بقاء المستعمرة، استمرارية المشروع على أرض فلسطين، هذا هو السبب الجوهري ودافعهم الحقيقي لجعل شعب فلسطين مرغماً راضخاً ضعيفاً جريحاً لا قوة له، ولا قدرة على المواجهة، وافقاده أي أداة بشرية يمكنها توجيه ضربات موجعة لجسم المستعمرة وأجهزتها وعناوينها.

مشكلة البعض الفلسطيني أنه متحمس أكثر من اللازم، ويظهر بشجاعة وتحد أمام جيش الاحتلال وأجهزته، باحثاً على توفير الثقة أمام شعبه ولشعبه ورفع معنوياته، تأكيداً على أن الثورة ورجالها ما زالوا موجودين، وهو محق في دوافعه ونُبل مقصده، ولكنه يدفع الثمن بالتضحية بنفسه وحياته، لأن المستعمرة وقواتها لن تعطيه الفرصة كي يبقى ويتواصل، فتعمل على تصفيته قبل أن يتمدد بين مسامات شعبه ويتحول من ظاهرة فردية، أو عدة أفراد، إلى ظاهرة شعبية جماعية مؤذية للاحتلال، وقادرة على المس ببقائه وإزالته، فيعمل الاحتلال على تصفية الفعل المقاوم، قبل أن يتمدد ويتحول إلى ظاهرة، هذا ما يفعله الاحتلال مع عرين الأسود، وكتيبة جنين، وكتبية نابلس.

الاحتلال متفوق عسكرياً وبشرياً، وقدرات شباب المقاومة محدودة، لا مجال للمقارنة بينهما، ولهذا يجب أن يبقى العمل الكفاحي الفلسطيني سري الشكل والمحتوى، وممارسة كل مظاهر التضليل والخداع، وتنفيذ عمليات بسيطة مؤثرة تراكمية، وبسط الخوف والقلق والاضطراب بين المستوطنين ودفعهم نحو الرحيل من القدس والضفة.

لا يكفي التحلي بالشجاعة ونكران الذات، كما هو حاصل وواقع بين شباب فلسطين المندفعين بلا حسابات ذاتية ضيقة، ولكن هذا الاستعداد العالي للتضحية عندهم، يجب أن يكون مصحوباً بالحكمة في اختيار الضربات الموجعة، وقهر المستوطنين المستعمرين ليكونوا مطاردين من قبل شباب فلسطين.

استشهاد شباب فلسطين ثمن الحرية والاستقلال، ولكن سرعة التضحية بأرواحهم له نتائج سلبية على الشعب الفلسطيني حيث تظهر حصيلته أن الاحتلال هو أقوى لا يمكن هزيمته، وهو استخلاص غير صائب، فقد تمكن الفلسطينيون من هزيمة الاحتلال مرتين في الانتفاضة الأولى عام 1987 والانتفاضة الثانية عام 2000، ولكنها تميزت كلتاهما بالمشاركة الجماهيرية الواسعة، التي أرغمت اسحق رابين على الاعتراف والإقرار بالشعب الفلسطيني وبمنظمة التحرير وبالحقوق السياسية للفلسطينيين عام 1993، مثلما أرغمت الثانية شارون عام 2005، على الرحيل عن قطاع غزة بعد إزالة المستوطنات وتفكيك قواعد جيش الاحتلال عن أرض القطاع.

شعب فلسطين على الطريق سيصل ولو بعد حين.