تأثير رفع البنك الاحتياطي الفيدرالي الحاد لسعر الفائدة على الاقتصاد الأمريكي
جفرا نيوز - لا يزال البنك الاحتياطي الفيدرالي متمسك بسياسته المتشددة، ففي الاجتماع الأخير الذي تم عقده في سبتمبر الماضي رفع سعر الفائدة بنحو 75 نقطة أساس لتصل نطاق سعر الفائدة في الولايات المتحدة إلى 3%-3.25%، وأكد رئيس البنك باول على المضي في رفع الفائدة حتي السيطرة بشكل كامل على مستويات التضخم التي وصلت إلى مستويات قياسية حتي وإن كان ذلك سيسبب ألمًا اقتصاديًا، يقدر السوق أنه سيتم تجاوز سعر الفائدة القياسي 4% هذا العام.
يعتقد المحللون أنه مع تحول السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي إلى التشديد ستتأثر سوق الأسهم الأمريكية وسوق الإسكان وسيواجه سوق العمل تحديات كبيرة، كما ستزداد مخاطر "الهبوط الحاد" للاقتصاد، في الوقت نفسه، أثرت بالفعل التداعيات السلبية لسياسة البنك الاحتياطي المتشددة على الأسواق المالية العالمية.
سياسات التقشف تستمر في الازدياد
أنهت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة (وهي هيئة صنع القرار في الاحتياطي الفيدرالي) اجتماع السياسة النقدية الذي استمر يومين في (20-21 سبتمبر)، وأقروا رفع سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس للمرة الثالثة على التوالي بنفس القدر لهذا العام لتصل سعر الفائدة بين نطاقي 3%-3.25%، وتعتبر هذه هي المرة الخامسة لرفع الفائدة منذ بداية 2022، حيث رفع البنك الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في مارس وأخري بنحو 50 نقطة في مايو والثالثة بنحو 75 نقطة في يونيو وأخري 75 نقطة في يوليو، وذلك من أجل كبج جماح التضخم الذي وصل لمستويات تاريخية لم تشهدها الولايات المتحدة منذ أربعة عقود.
وقال باول في وقت سابق إن الظروف الحالية يتوجب على البنك الاستمرار في سياسته التشديدية من أجل السيطرة على التضخم حتي وإن كان ذلك سيسبب ألمًا اقتصاديًا، وأضاف أنه من المبكر للغاية الحديث عن توقف دورة رفع سعر الفائدة أو خفضها.
ارتفاع مخاطر الركود في الولايات المتحدة
أشار خبراء اقتصاديون في تحليل أن توقعات النمو للبنك الاحتياطي الفيدرالي لا تزال متفائلة إلى حد ما، مع وجود "تباطؤ أكثر جوهرية" فقط في النمو والتضخم الأساسي، وقد تسبب الانخفاض في أسعار الأسهم والسندات منذ بداية العام في القضاء على ما قيمته 12 تريليون دولار من ثروة الأسر الأمريكية، ومع زيادة تشديد البنك الاحتياطي الفيدرالي للسياسة النقدية هبط سوق الأسهم بشكل حاد في الأشهر الماضية وهو ما قد ينذر "بهبوط حاد" في وقت لاحق من العام.
يعتقد مدير معهد بيترسون للاقتصاد الدولي "آدم بوسن" أن الزيادات المتسارعة للأسعار لها تأثير على زيادة مخاطر الركود، والأهم من ذلك هو مقدار رفع الاحتياطي الفيدرالي للمعدلات في نهاية المطاف، وأضاف أنه إذا تم رفع مستوى سعر الفائدة في نهاية هذه الجولة من رفع الفائدة من حوالي 3% إلى أكثر من 4% فقد يعني ذلك ركودا اقتصاديا.
وفقًا للتوقعات الصادرة عن Bloomberg Economics فإن احتمال حدوث ركود في الاقتصاد الأمريكي بحلول أوائل عام 2024 يصل إلى 72%.
الاقتصاد الأمريكي قد يواجه ركودًا معتدلًا هذا العام
حذر الاقتصاديون في بنك أوف أمريكا من أن الاقتصاد الأمريكي قد يواجه ركودًا معتدلًا في النصف الثاني من العام حيث يضرب التضخم المستهلكين ويشدد البنك الاحتياطي الفيدرالي.
قال كبير الاقتصاديين في بنك أوف أمريكا "مايكل جابن" في تقرير إن البنك توقع في الأصل أن يواجه الاقتصاد الأمريكي تباطؤًا في النمو فقط، لكن الآن تظهر العديد من العوامل في نفس الوقت، مما يجعل التباطؤ في الزخم الاقتصادي أكثر حدة مما كان متوقعًا.
وخفض بنك أمريكا (الذي كان يتوقع أن ينجو الاقتصاد الأمريكي من الركود) توقعاته مع ميل البنك الاحتياطي الفيدرالي نحو رفع أسعار الفائدة بشكل أسرع مما أدى إلى تشديد الأوضاع المالية، ويتوقع البنك الآن انكماش الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في الربع الأخير من العام السابق بنحو 1.4%، تليها زيادة بنسبة 1.0% في عام 2023.
وأشار التقرير إلى أن البنك الاحتياطي قد أوضح هدفه المتمثل في استعادة استقرار الأسعار وأنه مستعد لتحمل برودة سوق العمل في هذه العملية، ويتوقع بنك أوف أمريكا أن يرتفع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى أكثر من 4% بنهاية هذا العام.
وأشار المحللون إلى أن آثار إجراءات التحفيز التي اتخذها البنك أثناء الوباء بدأت تتلاشى وأن تأثير الأسعار المرتفعة على القوة الشرائية للمستهلكين قد تجاوز التوقعات، وتعني هذه ب"ضريبة التضخم" التي تشير إلى أن التكلفة الفعلية للسلع والخدمات الاستهلاك قد انخفضت وستكون لدى الأسر قوة شرائية أقل للمواد غير الأساسية.
الأسواق المالية العالمية تحت الضغط
وأشار محللون إلى أن تباطؤ البنك الاحتياطي في مرحلة مبكرة دفع الولايات المتحدة إلى مواجهة أخطر تضخم منذ 40 عامًا إلى حد ما، كما أن استمرار البنك الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة وتقليص ميزانيته العمومية لن يكون له تأثير فقط على الاقتصاد الأمريكي نفسه ولكن أيضًا على أسواق تجارة الأسهم العالمية.
إن رفع الاحتياطي الفيدرالي المستمر لأسعار الفائدة يحفز تدفقات رأس المال من اقتصادات الأسواق الناشئة إلى الولايات المتحدة، مما قد يؤدي إلى تخلف عن سداد الديون في بعض الاقتصادات ويؤثر على الأسواق المالية العالمية.
ويقدر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أن 60% من الدول منخفضة الدخل تقع أو على وشك أن تكون في حالة ضائقة ديون، وقال رئيس البنك الدولي في وقت سابق إن الدول تواجه ضغوطا تمويلية شديدة ومن المتوقع أن "تستمر أزمة الديون في التفاقم" هذا العام، يعتقد صندوق النقد الدولي أن البنوك المركزية الكبرى يجب أن تأخذ في اعتبارها عند تشديد السياسة النقدية كيفية الحماية من المخاطر المالية غير المباشرة للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية الهشة.
كما أشار إلى أن بعض الاقتصادات منخفضة ومتوسطة الدخل ستواجه صعوبات مالية نتيجة الزيادات الحادة في أسعار الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي، وستعاني الاقتصادات التي تواجه ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة ولا تزال في ظل تداعيات جائحة كوفيد 19، ومع ذلك، يعتقد أن معظم الاقتصادات ذات الدخل المنخفض والمتوسط مجهزة بشكل أفضل مما كانت عليه في الماضي للتعامل مع صدمة رفع أسعار الفائدة الفيدرالية، لذلك من غير المرجح عدم الاستقرار المالي على نطاق واسع.
تصحيح الأخطاء بالأخطاء
لا يزال الاقتصاد العالمي يخرج تدريجياً من تداعيات وباء كوفيد الجديد بما في ذلك الولايات المتحدة، وفي هذه المرحلة هناك حاجة في الواقع إلى خفض أسعار الفائدة لتحفيز الانتعاش الاقتصادي.
بينما يعتقد البعض أن البنك الاحتياطي الفيدرالي كان بطيئًا في رفع أسعار الفائدة، إلا أنهم حذروا أيضًا من أن ضرب الاقتصاد برفع كبير جدًا في أسعار الفائدة سيكون "محاولة تصحيح هذا الخطأ بخطأ آخر"، والذي سيدفع الاقتصاد الأمريكي في مقابله الكثير.
بعبارة أخرى، فإن رفع البنك الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة بشكل حاد يخاطر أيضًا بإحداث تباطؤ اقتصادي حاد، خاصة عندما تظهر تحديات جديدة مثل الحرب الروسية الأوكرانية ومشاكل قدرة الصين بسبب الإغلاق، على ما يبدو أنه مسار ضيق أمام البنك الاحتياطي الفيدرالي ويتعين عليهم السير فيه وستكون مهمة صعبة للغاية.