صمود وسط اقتصاد يصارع الركود.. من أين يستمد الدولار قوته؟

جفرا نيوز - تؤكد جميع الأرقام والمؤشرات أن الاقتصاد الأمريكي يمر بإحدى أسوأ فتراته، مع ارتفاع التضخم وتزايد المخاوف من الركود، لكن الدولار يدير ظهره لكل العوامل وكأنه لا علاقة له بها.

على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، نجد أن الاقتصاد البريطاني يتعثر والجنيه البريطاني ينهار، وهُو ما لم يحدث مع الاقتصاد الأمريكي الذي يمر أيضًا بمرحلة متعثرة، لكن الدولار ظل قوياً.

لماذا يرتفع الدولار رغم كل التهديدات المحيطة بالاقتصاد الأمريكي؟

تؤكد الأرقام أن الدولار لم يحافظ فقط على مكانته بين العملات العالمية الرئيسية، بل زاد أيضًا من قوته ومكاسبه خلال العام الحالي.

فِيْ عام 2022، ارتفعت قيمة الدولار بنحو 16٪ مقابل اليورو، و 21٪ مقابل الجنيه، و 30٪ مقابل الين. ليس ذلك فحسب، فقد حقق الدولار مكاسب كبيرة مقابل عملات عدد من البلدان منخفضة الدخل.

هذا ليس لأن الولايات المتحدة تبذل جهُودًا ضخمة، وتبذل قصارى جهدها فِيْ إدارتها، بل لأنها تحتل موقعًا غريبًا ومحبوبًا فِيْ الاقتصاد العالمي، وهُو اقتصاد سيصبح أكثر حلاوة بينما يتأرجح العالم على شفا الانكَمْاش، وفقًا لـ "المحيط الأطلسي.”

الاقتصاد الأمريكي
يعاني الاقتصاد الأمريكي من عدة مشاكل، وقد تؤدي جهُود بنك الاحتياطي الفِيْدرالي المكثفة للحد من التضخم فِيْ النهاية إلَّى الركود، ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة، التي لديها معدل بطالة منخفض، قوية مقارنة بنظيراتها.

فِيْ المقابل، تتمتع أوروبا بمعدلات تضخم أعلى، حيث تصارع القارة أزمة طاقة تاريخية، فضلاً عَنّْ تداعيات بعيدة المدى لحرب روسيا وأوكرانيا، بينما تواجه بعض الدول الأوروبية صراعاتها الخاصة.

على سبيل المثال، عانت بريطانيا فِيْ ظل حكومة ليز تروس المستقيلة، والأسواق المالية غير المستقرة، والخطط المالية الفاشلة، وكارثة تكلفة المعيشة، وغيرها من المشاكل التي تفاقمت بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، مما دفع معظم المستثمرين إلَّى التخلي عَنّْ الاستثمارات المقومة بالجنيه الإسترليني.

البلدان النامية ليست فِيْ وضع أفضل بكثير. أنقذت سياسة الصين الخالية من فِيْروس كورونا الأرواح لكنها شلت اقتصادها، الذي يتوقع البنك الدولي أن ينمو بأقل من 3٪ فِيْ عام 2022، بنصف أو ثلث المعدل الطبيعي، وسط انهِيْار الإسكان فِيْ البلاد.

العديد من البلدان الأخرى تكافح مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية ونقص الوقود. يحافظ الدولار القوي على ارتفاع الأسعار، لأنه فِيْ بعض الحالات يتعين على البلدان استيراد المواد الغذائية والسلع الأخرى المقومة بالدولار.

سلامة
يرى المستثمرون فِيْ جميع أنحاء العالم أن الاقتصاد العالمي يتعثر، لذلك يفرون إلَّى بر الأمان، أي الاستثمار فِيْ الولايات المتحدة، مما يرفع قيمة الدولار أكثر.

تقول كاثي جونز، كبيرة محللي الدخل الثابت فِيْ مركز شواب "إن تأثير الحرب بين روسيا وأوكرانيا يلقي بثقله على التوقعات بالنسبة لأوروبا، فِيْ حين أن الإغلاق فِيْ الصين المرتبط بـ COVID-19 وسوق العقارات الضعيف يعوق النمو فِيْ آسيا”. .

وأضافت "حتى مع النمو الضعيف الأخير للناتج المحلي الإجمالي، لا تزال الولايات المتحدة فِيْ وضع أفضل لمواجهة التباطؤ الاقتصادي العالمي”.

تضيف هذه العوامل إلَّى القوة التي يتمتع بها الدولار منذ فترة طويلة بسبب دوره غير العادي فِيْ التمويل الدولي، حيث يتم تسعير العديد من السلع بالدولار.

احتياطي الدولار
فِيْ حين أن العديد من البنوك المركزية الأجنبية تختار الاحتفاظ بالدولار كاحتياطيات، ويتم تنفِيْذ العديد من عقود التجارة الدولية بالدولار، فإن كل هذا يخلق الكثير من الطلب على الدولار، طوال الوقت.

كَمْا أوضح جيتا جوبيناث، مسؤول كبير فِيْ صندوق النقد الدولي وخبير اقتصادي سابق فِيْ الاحتياطي الفِيْدرالي، جيريمي شتاين، "هذه الحقائق المالية تعزز بعضها البعض. فِيْ الواقع، يتمتع الدولار "بامتياز باهظ” لا تتمتع به أي عملة أخرى، على حد تعبير الرئيس الفرنسي. Ex-Valéry Giscard d’Estaing، تعود فوائد هذا الامتياز إلَّى حكومة الولايات المتحدة والشركات الأمريكية.

على الرغم من كل هذا، يتكهن العديد من الاقتصاديين والممولين حول ما إذا كان الدولار قد يفقد مكانته كعملة احتياطي بارزة فِيْ العالم ومتى.

الإجابة هِيْ أن قوة الدولار قد تنخفض، عَنّْدما تفقد الحكومات الأجنبية شهِيْتها للديون الأمريكية، أو تصبح أوروبا مكانًا أكثر استقرارًا سياسيًا من الولايات المتحدة، مع انتخابات أكثر حرية ونزاهة، أي من هذه التطورات يمكن أن تدفع العملات الأخرى إلَّى الأعلى مقابل الدولار. .

لكن الاعتماد على ركود عالمي وأنه قد يؤدي إلَّى تراجع الدولار أمر غير مرجح، لأن الركود من المرجح أن يدفع المزيد من المستثمرين للبحث عَنّْ أصول آمنة (الدولار) حتى لو كانت الولايات المتحدة تتجه إلَّى الركود أيضًا.