النخب تبحث في دقة نتائج مركز الدراسات.. وعينات الإستطلاع اغلبها استهدفت من هم دون الثانوية

جفرا نيوز - لماذا الاستطلاع وفي هذا التوقيت بالذات وبجملة رقمية رافقتها أخرى إعلامية و»منصاتية» هذه المرة هاجمت بقسوة، ليس فقط حكومة الرئيس الدكتور بشر الخصاونة لكن شخصه إلى حد ملموس؟

لماذا الاستطلاع؟ سؤال طرح بقوة على مدار يومين في سياق البحث عن هوية سياسية لتأويل التوقيت والخشونة الرقمية وعمليات السحب والإضافة والتعديل على نوعية محددة من الأسئلة وجهت لعينة استطلاعية قوامها يقترب من 1200 مواطن أردني تصادف في ملاحظة بحثية منهجية أن ثلثهم أو أن أقل من ثلثهم بقليل لا يحملون الثانوية العامة.

في كل حال، غرق الأردنيون بالجدل مجدداً بعد إعلان مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، وهي أكبر جامعات الحكومة، نتائج استطلاعاته الجديدة حول مزاج الشارع الأردني في تقييم الحكومة ورئيسها، وبدا واضحاً أنه تم إبلاغ بعض المسؤولين قبل دقائق فقط من إعلان نتائج استطلاع أثار الجدل.

الأوضح للمراقبين في مقر رئاسة الوزراء كان أن فضائية المملكة والمصنفة بأنها رسمية وسيادية في بعض التفاصيل، عرضت بحماسة وفوراً نتائج الاستطلاع، فيما انشغلت فضائية أخرى بحوارات قاسية يتهم بعضها شخص رئيس الوزراء وبدون سابق إنذار، الأمر الذي يوحي بتكهنات متعددة واعتبارات غير مباشرة.

سؤال جديد مثير عن ثقة الأردنيين ببعضهم أضيف إلى لائحة أسئلة الاستطلاع التي تنمو وتتبدل أو تتطور وتتغير بصورة ملموسة.

كانت النتيجة هنا صادمة على المستوى الوطني. فحسب الاستطلاع وما نشر من مضامينه، فإن 69 % من الأردنيين لا يثقون ببعضهم. وبالتالي، وسط هذه الأجواء من انعدام ثقة الشعب ببعضه قد يكون من الطبيعي حياكة منسوب رقمي له علاقة بانخفاض شعبية حكومة الخصاونة من 52 % إلى 32 %، أو رقم آخر يقول بأن أكثر بقليل من 1000 مواطن أردني قدروا وبنسبة 68% أنهم لا يثقون بقدرات رئيس الوزراء، فيما اعتبر 79 % أنهم يعيشون في مجتمع «غير سعيد»، و80 % أن الأمور تسير بالاتجاه السلبي.

ثمة ملاحظات على بعض التقييمات الرقمية هنا سريعة من جهة مسؤولين.. أحدهم سأل أمام « عما إذا كان من المنهجي والمعقول إجراء دراسة على الشعب الأردني، نسبة المشاركين من حملة الشهادات ما بعد الثانوية في استطلاعها لا تزيد عن 31 % فقط.

يسأل آخر، ولا يجيب منظمو الاستطلاع: هل اطلع من تم سؤالهم على خطاب التكليف الملكي لحكومة الخصاونة؟ هل تستفيد الدولة سيادياً من نتيجة استطلاع يقول بأن غالبية أبناء الشعب لا يثقون بأنفسهم وبغيرهم من المواطنين؟ هل تتطلب مصلحة البلاد ترويج مثل هذه السوداوية والسلبية؟

تلك أسئلة مشروعة سياسياً بالنسبة لمسؤولين في الحكومة متشبثين بفكرة خبث ودهاء استنتاجات الأجوبة من نحت الأسئلة وسوء نوايا التوقيت. لكن هذه الملاسنات عن بعد تشير إلى أن مناخ المؤسسات في التقييم والتشخيص عموماً ليس موحداً.

 واحدة من الملاحظات تلك التي تقول بأن أكثر من 43 % من العينة المستطلعة كانت من أبناء وسكان العاصمة عمان، فيما نسبة من استطلعت آراؤهم في محافظات من بينها الطفيلة ومعان وأقاليم الجنوب والعقبة، ليست ممثلة للمواطنين بشكل علمي عادل.
وتفترض الدراسة أن الشعب الأردني اطلع مسبقاً على خطاب التكليف الملكي، خصوصاً أن حكومة الخصاونة شكلت أصلاً قبل قليل من عامين في ذروة الظرف الوبائي ورفعت القدرات الصحية بنسبة 35 % ولا أحد قبل الاستطلاع وبعده، بما في ذلك الطاقم الوزاري، يشكك في إنتاجية ومنجزات ومنتجات الخصاونة وطاقمه في ضوء حصرية خطاب التكليف الملكي.
في كل حال، أوحى توقيت الاستطلاع بهجمة ما منسقة ومفترضة على المستوى الرسمي ضد الحكومة ورئيسها، على الأقل هذا ما شعر به كثيرون على الرغم من عدم وجود قرائن وأدلة مباشرة تسند مثل هذا السيناريو إلا طبيعة تحرك بعض أصحاب الرأي والأقلام بالتزامن مع الاستطلاع في الهجوم على شخص رئيس الوزراء وعلى تصريحاته أحياناً، ودون العودة للمعيار السياسي المنطقي القائل بأن تقييم أداء الحكومات ينبغي أن يقترن دوماً بقياس نسبة ما أنجزته في ضوء خطاب التكليف الملكي.

ملاحظة منهجية

هنا تقدم الباحث الدكتور عامر السبايلة بملاحظة منهجية تستحق التأمل، مشيراً إلى أن الاستطلاعات العلمية تجري بالعادة للحكومات المنتخبة، أما تنفيذ استطلاعات لحكومات معينة لا أحد يعرف كيف تختار رموزها فلا معنى له إلا في سياسة الاستمرار من جهة الاستطلاع وغيره بالتعاطي مع المواطن باعتباره مجرد «كومبارس».

وهنا أيضاً إزاء الصخب الذي أثاره الاستطلاع سياسياً على الأقل، وجد المسؤول المباشر لمركز الدراسات الدكتور زيد عيادات نفسه مصراً على التعاطي مع الإعلام، نافياً وجود أي تأثير لأي جهة على عمل المركز والاستطلاعات، مع أن الأكاديمي الباحث الدكتور عيادات كان قد تناقش مع «القدس العربي» مرات عدة بعنوان كلفة البحث العلمي وفاتورة المصارحات الرقمية.

رواية الجهات المنظمة للاستطلاع المثير معلنة وواضحة، لكنها لا تقول كل المعطيات، خصوصاً تلك المرتبطة بفرضية حياكة نتائج بناء على حياكة أسئلة، أو المرتبطة بالتوقيت ودلالاته؛ لأن الكيمياء بين المؤسسات المرجعية وحكومة الخصاونة مرتفعة جداً، خصوصاً في الأيام الأخيرة، ولأن الخصاونة نفسه يقول لكل من يسأله بأن طاقمه الوزاري الحالي أنهى واجباته الموكلة إليه بموجب خطاب التكليف الملكي، والأهم أيضاً لأن المناخ السياسي والدستوري مشتبك للأسبوع الثالث على التوالي أصلاً بتكهنات وشائعات ومشاغبات ثلاثية التعديل والتغيير أو إعادة التشكيل الوزاري.

وسردية الحكومة من جانبها لا تعفي الاستطلاع من مسؤولية التوقيت المغرض وبعض الأخطاء والملاحظات المنهجية.
في النتيجة، بقي السؤال المركزي: لماذا الاستطلاع بهذه الخشونة الرقمية وبهذا التوقيت؟

ما لا يقوله الاستطلاع وطاقمه ومن يشككون به أو يتجاهلون قوله حتى اللحظة هو تلك القناعة بأن تآكل شعبية أي حكومة والاحتفاء بهذا التآكل أو حياكة بعض تفاصيله، بمثابة ضربة موجعة على العصب الحيوي للدولة؛ لأن الرأي العام لم يعد يفرق بين الحكومة والدولة، ولأن رصيد الحكومة مادامت معينة وسط الشارع مؤشر بحكم تعقيدات الواقع اليوم على رصيد المساحات العابرة للحكومات أيضاً. لا يريد المستطلعون ولا المختلفون معهم هنا التحدث في هذا المفصل الحساس، وقد تحتاج هذه المقاربة إلى استطلاع آخر أكثر جرأة وقابلية لتقبل فواتير المكاشفات الرقمية.

القدس العربي