الإدارة العامة والقيادة العامة ،،،

جفرا نيوز - بقلم الدكتور رافع شفيق البطاينة ،،
يبدوا أن هناك إجماع تام ولأول مرة بين القطاعين الرسمي والشعبي على أن الإدارة العامة ليست بخير وشابها الترهل والبيروقراطية والتراجع وغيرها من المسميات ، وأنها ربما شاخت وأصبحت بحاجة ماسة إلى التحديث والتطوير  والترشيق، بالرغم من التطور التقني والالكتروني والمكاتب الفخمة والأثاث والدورات المتعددة للموظف والخبرات من حملة الشهادات العليا الموجودة فيها ، ويجتهد بعض ما يسمون أنفسهم الخبراء الإداريين من بعض المسؤولين الحاليين وغيرهم في تحديد اسباب التراجع والترهل ، فتعقد يوميا المؤتمرات وورش العمل والندوات وغيرها للنقاش والتباحث في كيفية الخروج من هذا المأزق الإداري ، وللأسف معظم من يجتمعون لمناقشة التحديث الإداري من القيادات العليا ليسوا خبراء إدارة ، والعديد منهم جاء أو نزل إلى المنصب بالبراشوت أو الواسطة والمحسوبية ومبدأ المصالح، ليس لديهم الخبرة والكفاءة الإدارية والقيادية ولا حتى التخصص وتقييمهم الإداري لا يرقى إلى مستوى رئيس قسم أو ربما رئيس شعبة، ولو سألنا أنفسنا ما هي أسباب التراجع الإداري الحقيقية وجاوبنا أنفسنا بحيادية وبضمير لعرفنا السبب، لأن السبب واضح وضوح الشمس ، الإدارة الأردنية يا سادة يا كرام كانت متطورة في العقود السابقة بالرغم من بساطة المكاتب والأثاث والدعم اللوجستي آنذاك ، ومن أفضل الإدارات في المنطقة والاقليم ، وكان الأردن وخصوصا معهد الإدارة العامة محجا ومنارة للادارات العربية التي كانت تأتي للأردن لتنهل من علمه وخبراته، لأنه كان يقوم على إدارته قيادات كفؤه ومتخصصة ، وساهمت القيادات والادارات الأردنية بتطوير الإدارات العربية في الوطن العربي والاقليم بشكل عام، وكانت الإدارة الأردنية تعمل ضمن مكاتب ( غرف) مغلقة ينتقل المراجع من غرفة إلى غرفة لإتمام معاملته ، حتى جاء المرحوم نصوح محي الدين مدير عام الأحوال المدنية والجوازات آنذاك بتطوير الإدارة من خلال هدم الجدران بين الغرف وإلغاء الأبواب وأصبحت الإدارة تدير أعمالها من خلال ساحات مفتوحة والموظفين يجلسون بجانب بعض وتتنقل المعاملة من موظف لآخر تحت بصر المراجع والمسؤول، وبعدها انتشرت هذه الفكرة لكل الدوائر الحكومية ، وذات مرة وعندما قام الأمير محمد بن راشد آل مكتوم بزيارة إلى أحد الدوائر الرسميه في الإمارات شاهد المراجعين وهم يدخلون رؤوسهم من طاقة من شباك المعاملات استغرب هذا السلوك فقام بعصاه التي يحملها بكسر الزجاج المركب على الكاونتر الفاصل بين الموظف والمراجع وقال لا يوجد حواجز بين الموظفين والمراجعين لأن الموظف وجد لخدمة المواطن ، وهكذا استمرت عملية التحديث والتطوير الإداري بكل بساطة وسلاسة دون تعقيدات أو مؤتمرات وندوات وووووووالخ ، ثم جاء اللواء المتقاعد محمد الخرابشة(واعتذر إذا أخطأت في الاسم ) مدير إدارة الترخيص  في الأمن العام آنذاك وكتب يافطة وعلقها في الدائرة وكتب عليها إذا لم تنتهي معاملتك خلال خمس دقائق راجع المدير ، وأصبحت دائرة ترخيص السواقين والمركبات نموذج يحتذى للتحديث والتطوير الإداري، وتطورت الإدارة الاستثمارية عندما قمنا بمعية عطوفة علي المدادحة مدير عام مؤسسة المناطق الحرة بتطهير المؤسسة من الفساد الإداري والمالي الذي كان مستشري فيها، واتباع سياسة الباب المفتوح لاستقبال المراجعين من المستثمرين والمواطنين ، وحوسبة كافة إجراءاتها الإدارية والتخليص على البضائع ، وكانت المؤسسة سباقة في هذا المجال ، بالإضافة إلى فصل منافيست السيارات عن منافيست البضائع لتسريع وتيرة الإجراءات الإدارية للتخليص على البضائع والسيارات ، وأصبحت المؤسسة محجا لاستقطاب الاستثمارات ومقرا لها، ونجحت قيادة المؤسسة بادارتها عندما كان المدادحة يلبس لباس الفوتيك ويمضي معظم وقته في الميدان لوحده دون مرافقين أو بروتوكولات يتلمس مشاكل وهموم المستثمرين بعفوية يتنقل من مستثمر لآخر ، ومن قسم إلى قسم بشكل مفاجيء، وتطورت الإدارة واستمر التطوير بهذا النهج العفوي والبسيط ، فالإدارة الأردنية متطورة كموظفين لكن المشكلة تكمن وكلنا يعرف السبب وهو واضح وضوح الشمس ، وبحاجة إلى وضع النقاط على الحروف بكل جرأة ، السبب يكمن في معظم القيادات العليا التي لا تصلح لمواقعها والتي أتت كما اسلفت بطرق غير مشروعة إداريا وكفاءة ، ولذلك تراجعت الإدارة ، والامثلة على ذلك وعلى سبيل المثال لا الحصر ، كيف يقوم وزراء بإقصاء مدراء عامين لمعهد الإدارة العامة من حملة الدكتوراة في الإدارة وخبراء تدريب عملوا لفترة طويلة في تدريب وتطوير الإدارة العامة في دول الخليج العربي ، من وزراء بعضهم ليسوا أصحاب اختصاص في الإدارة، لحساب من هم دون هذا المستوى من الخبرة والكفاءة والشهادة ، والمثال على ذلك الدكتور عبدالله القضاة والدكتور راضي العتوم وغيرهم وهذه أمثلة لا حصرية، وتراجعت الإدارة عندما تم تعيين أمين عام وزارة التنمية السياسية يحمل هندسة زراعية ويعمل في أمانة عمان، أو آخر يحمل شهادة تربية على حساب من يحمل شهادة دكتوراة في التنمية السياسية وشهادتي ماجستير ومن مؤسسي الوزارة وله من الأبحاث والمؤلفات تعجز المكتبة عن حملها ، والامثلة على ذلك كثيرة، كيف ستتطور الإدارة الأردنية حينما يقدم رئيس وزراء بإحالة الآلاف من الموظفين من الخبرات والكفاءات تحت بند خدمة ثلاثون عاما ومعظمهم لم يكمل هذه المدة فعليا وإنما عملية تجميع مدد من هنا وهناك ، ويترك المكاتب فارغة ولا يعين مكانهم أو بديلا عنهم، وكيف ستتطور الإدارة الأردنية عندما يقدم وزير داخلية بإحالة عدد كبير من الحكام الإداريين دون تقييمهم أو معرفتهم وبعضهم على التقاعد المبكر وجلهم من الكفاءات لأهداف وغايات في نفسه،  بهدف فتح شواغر لمحاسيبه دون رادع أو حساب ، وغيرها الكثير من الأمثلة من عمليات الهدم الإداري ، تحديث الإدارة وتطويرها بحاجة إلى قيادات كفؤة قادرة على ادارة موظفيها والمؤسسة التي يديرها ، وليست بحاجة إلى تشريعات أو منظومة أو أفكار على أهميتها ، هناك حكمة لأحد الفلاسفة يقول لا يوجد موظف فاشل، وإنما يوجد قائد إداري فاشل ، التطوير الإداري بحاجة إلى قيادات ميدانية ، وليس قيادات مكتبية تجلس في فنادق لمناقشة التحديث والتطوير الإداري عن بعد ، جفت الأقلام ورفعت الصحف ، وللحديث بقية .